فلعلك تستطيع أن تحمل هذين العدوين للذين أهلكهما الله على يدي إلى المعسكر، وأن لم تقدر فاحمل رءوسهما وعدتهما حتى تعرضها على الملك، ليعلم أني ما هلكت في غير شيء)
وروعة شخصية المرأة في الشاهنامة تقوم على وفور حضها من الأنوثة والوفاء لزوجها، يدل على ذلك نواح (ثهمينة) على ابنها (سهراب) ووفاء (منيزة) لزوجها (بيتزن) في محنته مع إن أباها كان المسلط على عذابه
وكما تفرض الشاهنامة القيام بالواجب من حيث هو فضيلة أساسية للحياة الفاضلة فإنها تدل بالأمثلة المحسوسة والوقائع المادية كيف يؤدي الواجب. فينبغي أن نؤدي الواجب محلى بأحسن آداب السلوك من جد ورفق، وسهولة خلق، وضبط نفس، ورقة شمائل، ولا أدل على ذلك من الحوار الذي دار بين بطلي الشاهنامة (رستم) و (اسفنديار) عندما لج بهما اللجاج وحمى الخصام، فهو حوار ينم عن نبل خلق وسراوة نفس. وقد بلغ من دقة حس الفردوسي ورقة قلبه أن أوجب علينا الوفاء لمن أحسن إلينا ولو كان حيواناً أعجم. أنظر بأي قلب وأية شمائل يخاطب رستم الغزالة التي كان طرده لها سبباً في وقوعه على عين ماء روي منها بعد أن كاد يهلك عطشاً، فهو يخاطبها بقوله:(لا زلت يا غزالة الريف، تفيئين الى الظل الوريف، وتكرعين في الزلال المعين، وتتقلبين بين الورد والياسمين، وأيما قوس راعك أنباضه: فلا زالت متقطعة أوتاره، فانك سددت رمقي وشفيت غلتي)
والأصل الثالث من أصول فلسفة الشاهنامة الأدبية طهارة القلب؛ والفردوسي يحثنا في غير موضع من كتابه على أن ننفي عن قلوبنا أدواء الحقد والحسد والضغينة. يقول رستم لاسفنديار:(. . . . . . . وطهر قلبك بفضيلة الرجولة من دنس الداء الدفين) والفردوسي لا يكتفي بأن يندب قارئه الى تطهير قلبه، بل لقد يتولى هو بنفسه ذلك مستخدماً في ذلك طريقه العرض الدرامي التي نلحظها في أكبر الملاحم والقصص. نلحظها في آثار هوميروس، وسفوكليس، واسخيلوس، وشكسبير، وملتن، ودستويفسكي. وذلك أن يعمد الشاعر الى حادث رائع مفظع، فيعرضه عرضاً فنياً قوياً، فيهز قلب القارئ ويمخضه، فيكون ذلك منه بمنزلة الدواء المر يتجرعه المريض على مضض، ولكنه تكون فيه سلامته من علته؛ وقد بلغ الفردوسي بسلوك هذه الطريقة أسمى غايات الفن، وأتى من رائع