سواء الطريق والنهج القويم) وعندما غمر الثلج أسفنديار وأصحابه في طريق (هفنجوار) الوعر الشاق ووجد ذلك البطل المغوار نفسه أمام قوة لا قبل له بها لم يسعه إلا أن يسلم أمره إلى الله تعالى فتقول الشاهنامة (فبينا هم كذلك إذ أظلم الجو واشتدت الريح، ونشأت سحابة أبرقت وأرعدت وأطبقت عليهم ثلاثة أيام بلياليها، تهيل عليهم الثلج هيلاً، حتى امتلأت الأودية، فصاح اسفنديار. . وقال: قد اشتد علينا الأمر وليس ينفعنا الآن رجولة ولا قوة. والرأي أن نلجأ إلى من لا ملجأ منه إلا إليه، فانه الكاشف للضر والقادر عليه. فاجتمعوا ورفعوا أيديهم وتضرعوا إلى الله تعالى مبتهلين، ودعوه دعوة الصادقين، فسكت الهواء وانجلت السماء)
والأصل الثاني من أصول الفلسفة الأدبية (لكتاب الملوك) القيام بالواجب: الشاهنامة تعني بهذا الأصل الذي هو قوام الحياة اليومية أتم عناية. فأعظم ملوك الشاهنامة أقومهم بواجبه، وواجب الملك في رعيته العدل، والحلم، والسخاء، وترك الاستبداد فإذا ما حاد الملك عن هذا السنن (جفت الألبان في الضروع، ولم يأرج المسك في النوافج، وشاع الزنا والربا في الخلق، وصارت القلوب قاسية كالحجر الصلد، وعاثت الذئاب وضريت بالأنس، وتخوف ذوو العقول من ذوي الغواية والجهل،) وعهد كسرى أنوشروان لابنه هرمز حافل بتلك الآداب السلطانية التي تنص صراحة على ما يجب على الملك نحو نفسه ونحو رعيته
وبطولة أبطال الشاهنامة تستند إلى شعورهم القوي بالواجب. أنظر كيف لبي رستم طلب (جًيْو) إنقاذ ابنه (بيثرن) وكان مقيداً مغلولاً في مطمورة مظلمة بأرض طوران. وقوله له (لا تهتم فإني لا أحط السرج عن الرخس حتى آخذ بيج بيثرن وأضعها في يدك) وانظر خطاب جيو للملك كيخسرو (أيها الملك! إن أمي ما ولدتني إلا لطاعتك، وتحمل المكاره فيما هو سبب راحتك. وهأنذا أشد وسطي في امتثال أمرك، ولا أسألك إلا سبيل خدمتك ولو أمطر الهواء على ناراً، وتحولت الأشفار في عيني شفاراً) وقول (اكشهم) لبيثرن وهو يجود بروحه (أيها الحبيب النافج لا تحمل على نفسك كل هذا، فانه أشد علي مما أنا فيه. واستر جراح رأسي بالترك، واجتهد في حملي الى حضرة الملك، فان قصارى بغيتي، وغاية أمنيتي، أن أتزود منه بنظرة، وأقر عيني بطلعته ولو لحظة، وإذا مت بعد ذلك مت وليس في قلبي حسرة، فإني لم ألد إلا للموت، ومن أدرك أمله فكأنه لم يمت، وأيضاً تجتهد