ونلحظ ذلك القصد أيضاً في خلو الشاهنامة خلواً مطلقاً من الألفاظ والمعاني التي ينبو عنها الأدب والذوق السليم. . . بهذه المزية يصح القول بأن (كتاب الملوك) كتاب يتأدب بمطالعته الناس في كل زمان وكل مكان، وإذا كانت (الألياذة) تنمي فينا عاطفة الحياء والغضب للحق، وفضيلة الإيثار والانتصار للضعيف، وإذا كانت (مهزلة) دانتي تعرفنا بطريقتها الرمزية أي أساليب الحياة يؤدي في الآخرة إلى الثواب وأيها يؤدي الى العقاب، وإذا كانت (الجنة المفقودة) تقوي الروح الديني في نفس القارئ، فإن الشاهنامة ترمي إلى تهذيب النفس وتكميلها
وفلسفة الشاهنامة الأخلاقية تقوم على أربعة أمور عظام: الأيمان، والواجب، وطهارة القلب، والزهد
والأيمان عند الفردوسي ليس ذلك الشعور الذي يخالط ضعفاء النفوس وخورة الطباع، ولكنه إيمان الأبطال والملوك.
فالفردوسي يتعمد أن يظهر أبطاله وملوكه عند استكمالهم أسباب العزة والجبروت في مظهر النقص والافتقار إلى عون الله ومدده مبالغة منه في توكيد ضرورة الإيمان في الحياة، ورغبة منه في كبح جماح النفوس الطاغية، وكسر شرة القلوب العاتية. ولنمثل لذلك من الشاهنامة نفسها: فعندما خرج الملك (كيخسرو) إلى قتال (أفراسياب) انتقاماً لمقتل ابنه (سيا وخسر) جعل يدعو الله أن ينصره على عدوه. تقول الشاهنامة (وبعد ذلك اغتسل الملك كيخسرو ودخل متعبداً لهم، وجعل طول ليلته يتضرع إلى الله تعالى ويبتهل ويعفر خده بالتراب ويستنصره على أفراسياب، ويستعين به عليه، فقطع ليلته تلك بالسجود لله تعالى والدعاء، فلما انتصر على خصمه وفر خصمه من وجهة وأعياه طلابه رجع إلى الله يستعينه ويستهديه). تقول الشاهنامة (فاغتسل ذات ليلة وأخذ كتاب الزند وخلا بنفسه في مكان خال ولم يزل طول ليلته ساجداً لله تعالى يبكي ويتضرع إليه سبحانه ويقول (إن هذا العبد الضعيف الموجع الجسم والروح طاف الدنيا، فسلك رمالها وقفارها، وقطع جبالها وبحارها، طالباً لأفراسياب الذي أنت تعلم أنه سالك غير طرق السداد، وسافك بغير الحق دماء العباد، وأنت تعلم أني لا أقدر عليه إلا بحولك وقوتك، فمكني منه. وإن كنت عنه راضياً، وأنت تعلم ولا أعلم، فاصرفني عنه، وأطفئ من قلبي ثائرة عداوته وقف بي على