للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أخيك!)

فتقلقل الضرير في مجلسه، وتنحنح، وهَمهم أصواتاً بينه وبين نفسه، وأحس الجماعةُ شأنه وقد عرفوا أن له شراً مبصرا كالذي فيه من المزْح والدعابة، وشراً عمى هذه بوادرُه، فاستلب ابنُ جحادةَ الحديثَ مما بينهما وقال: يا أبا معاوية، أنت شيخنا وبركتنا وحافظنا، وأقرُبنا إلى الإمام وأمسنا به؛ فحدثنا حديثَ الشيخ كيف صنع في رده على هشام بن عبد الملك، وما كان بينك وبين الشيخ في ذلك؛ فان هذا مما انفردتَ أنت به دون الناس جميعاً، إذ لم يسمعه غير أذنيك، فلم يحفظه غيرك وغير الملائكة

فأسفر وجهُ أبي معاوية وسُري عنه واهتز عطفاه وأقبل عليهم بعفو القادر. . . وأنشأ يحدثهم قال:

إن هِشاماً - قاتله الله - بعث إلى الشيخ: أن أكتبْ لي مناقبَ عثمانَ ومساوئ علي. فلما قرأ كتابه كانت داجِنةٌ إلى جانبه، فأخذ القرطاس وألقمه الشاة فلا كته حتى ذهب في جوفها، ثم قال لرسول الخليفة: قل له: هذا جوابك! فخشي الرسول أن يرجع خائباً فيقتله هشام، فما زال يتحملُ بنا، فقلنا: يا أبا محمد، نجه من القتل. فلما ألححنا عليه كتب: (بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد يا أمير المؤمنين، فلو كانت لعثمان رضي الله عنه مناقبُ أهل الأرض ما نفعتك، ولو كانت لعلي رضي الله عنه مساوئ أهل الأرض ما ضرتك؛ فعليك بخويصة نفسك، والسلام.)

فلما فصل الرسول قال لي الشيخ: إنه في خُرَاَسانَ مُحدث أسمه (الضحاكُ بن مُزاحم الهلالي) وكان فقيه مكتب عظيم فيه ثلاثة آلاف صبي يتعلمون؛ فكان هذا الرجلُ إذا تعب ركب حماراً ودار به المكتب عليهم، فيكون إقبالُ الحمار على الصبي هماً وإدبارهُ عنه سروراً. وما أرى الشيطان إلا قد تعب في مكتبه وأعيا، فركب أميرَ المؤمنين. . . . . . ليدور علينا نحن يسألنا: ماذا حفظنا من مساوئ علي؟

قلت: فلماذا ألقمتَ كتابه الشاة؟ ولو غسلته أو أحرقته كان أفهم له وكان هذا أشبه بك. فقال: ويحك يا أبله! لقد شابت البلاهةُ في عارضَيك. أن هشاماً سيتقطع منها غيظاً، فما يُخفى عنه رسوله أني أطعمتُ كتابه الشاة، وما يُخفى عنه دهاؤه ان الشاة ستعتبره من بَعْد. . . . .!

<<  <  ج:
ص:  >  >>