قال: ويحك! هذا الأحولُ عندك أمير المؤمنين؟ أَبما ولدته أمه من عبد الملك؟ فَهَبها ولدته من حائكٍ أو حجام! إن إمارةَ المؤمنين يا أبا معاوية، هي ارتفاعُ نفس من النفوس العظيمة إلى أثَرِ النبوة، كأن القرآن عَرَضَ المؤمنين جميعاً ثم رضي منهم رجلاً للزمن من الذي هو فيه، ومتى أصيب هذا الرجلُ القرآني فذاك وارثُ النبي في أمته وخليفتُه عليها، وهو يومئذ أمير المؤمنين، لا من إمارة الملك والترف، بل من إمارة الشرع والتدبير والعمل والسياسة
هذا الأحول الذي التف كدودة الحرير في الحرير، وأقبل على الخيل لا للجهاد والحرب، ولكن للهو والحلبة، حتى اجتمع له من جياد الخيل أربعة آلاف فرس لم يجتمع مُلها لأحد في جاهليةٍ ولا إسلام، وعَمِلَ الخز وقُطُفَ الخز، واستجاد الفرش والكسوة، وبالغَ في ذلك وأنفقَ فيه النفقات الواسعة، وأفسد الرجولة بالنعيم والترف حتى سلك الناسُ في ذلك سُنته فأقبلوا بأنفسهم على لهو أنفسهم، وصنعوا الخير صنعةً جديدة يصرفه إلى حظوظهم، وتركوا الشر على ما هو في الناس، فزادوا الشر وأفسدوا الخير، ولم يَعُد الفقراءُ والمساكينُ عندهم هم الفقراءَ والمساكين من الناس، بل بطونهم وشهواتهم. . . . .!
ولقد كان الرجلُ من أغنياء المسلمين يقتصدُ في حظ نفسه ليسعً ببره مائةً أو مائتين أو أكثر من اخوانه وذوي حاجته، فعاد هذا الغني يتسعٌ لنفيه ثم يتسع، حتى لا يكفيه أن يأكلَ رزقه مائة أو مائتين أو أكثر!
إن هذا الإسلام يجعل أحسن المسرات أحسنها في بذلها للمحتاجين، لا في أخذها والاستئثار بها، فهي لا تضيع على صاحبها إلا لتكون له عند الله، وكان الفقر والحاجة والمسكنةَ والانفاقَ في سبيل الله - كأن الفقر والحاجة والمسكنة والانفاقَ في سبيل الله - كأن هذه أرضونُ يُغرس فيها الذهبُ والفضة غرساً لا يُؤتي ثمره إلا في اليوم الذي ينقلب فيه أغنى الأغنياء على الأرض وإنه لأفقر الناس إلى درهمٍ من رحمة الله وإلى ما دون الدرهم؛ فيقال له حينئذ: خُذْ من ثمار عملك، وخُذْ ملءَ يديك!
والسلطانُ في الإسلام هو الشرع مَرْئياً يتابعهُ الناس، متكلماً يفهمه الناس، آمراً ناهياً يطيعه الناس. ولقد رأى المسلمون هذا الأحوال، وتابعوه وسمعوا له واطاعوا؛ فمنعوا ما في