الطريق، وحرصت على ذلك أشد الحرص، ومضت أيام لا أذكر عددها، ونسيت الحكاية، وصرفتني عن الحياة مطالب الدنيا ومشاغل الحياة، ثم اتفق لي أن ركبت (الامنيبوس) مرة أخرى في هذا الطريق عينه، مع صديق لي، وكان قد دعاني إلى العشاء، فلما بلغت المكان هجمت علي الذكرى، فانتفضت قائماً، وقلت لصديقي:
(سألحق بك، فامض أنت)
قال:(الى أين؟)
قال:(زيارة وجيزة)
قال:(من؟)
قلت:(زيارة. . .! ما سؤالك هذا؟)
قال:(أفي الأمر سر؟)
قلت:(لا يا سيدي. لا سر ولا شبهه، سأزور كلباً)
قال:(كلب؟)
قلت:(نعم، كلب! وأي غرابة في ذلك؟)
قال:(ولكنك تكره الكلاب!؟)
قلت:(أكرهها؟ من قال إني أكرهها؟ إنما أكره ما يستحق الكراهة من كل شيء)
فصاح بي وأنا أنزل:(ولكنك لا تعرف البيت)
فقلت:(بل أعرفه. . . لا تخف علي!)
فصاح بي - من النافذة:(بل لا تعرفه. . . أنا واثق، فأصعد)
فقلت بحماقة. (يا أخي أعرفه. . . هي دلتني عليه!
فقال: (هي؟)
فعضضت لساني من الغيظ، ومضيت عنه!
ودققت الجرس، فخرجت لي خادمة وقالت:(نعم!)
فحرت ماذا أقول؟ وذكرت أني لا أعرف اسم الفتاة، ولا أسم أمها، ووقفت متردداً ثم قلت:
(اسمعي يا شاطرة! إن عندكم كلباً صغيراً جميلاً، أبيض الشعر، أليس كذلك؟)