برهان على أن العرب المسلمين كانوا من أعرف الناس بحق المجتمع وحق العدل، ومن أكثرهم فطنة وعراقة في أصول القضاء العادل
يقول الأستاذ (جارو) في موجزه (الأصول الجنائية جزء ٢ فقرة ٤٠٨): (إن التجديد الأعظم في أصول التحقيق كان في قانون ١٨٩٧ الذي يوجب على المستنطق أن ينذر الظنين ويخبره بأنه يقدر ألا يدلي بشيء من البيانات والإفادات)
ونقول أيضاً إن هذا (التجديد الأعظم) هو عين ما كان يفعله قضاة العرب عند مثول المتهم أمامهم، فقد جاء في كتاب الخراج الذي نبحث عنه ص١٠٧ ما يأتي:(وقد كان يبلغ من توفي أصحاب رسول الله (ص) الحدود في غير مواضعها، وما كانوا يرون من الفضل في درئها بالشبهات أن يقولوا لمن أتى به سارقاً:(أسرقت؟ قل لا)
إن هذا لعمر الحق منتهى الدقة والعلم، منتهى الاحتياط في حفظ الحقوق
وإليك ما جاء في كتاب (الطرق الحكيمة) ص٤ لمحمد ابن قيم الجوزية المتوفي سنة ٧٥١ هجرية في موضوع (الأقرار) وهو مما يتصل ببحث التحقيق (. . . إن الاقرار إذا كان لعلة اطلع عليها الحاكم لم يلتفت اليه أبداً)(لبينة والاقرار خبران يتطرق اليهما الصدق والكذب) و (الحكام إذا لم يكن فقيه النفس في الأمارات ودلائل الحال ومعرفة شواهده، وفي القرائن الحالية والمقالية كجزيئات وكليات الأحكام أضاع حقوقاً كثيرة على أصحابها، وحكم بما يعلم بطلانه، ولا يشكونه فيه اعتماداً منه على نوع ظاهر لم يلتفت إلى باطنه وسائر أحواله)
هذا ما يقوله ابن القيم في موضوع (الإقرار) ومنه يستدل على ان قضاة العرب لم يكونوا في قضائهم يقفون عند مجرد ظواهر البينات، وإنما يحكمون بقناعتهم ووجدانهم وفراستهم أيضاً، وإن في ذلك لفطنة وذكاء وصدقاً، خصوصاً ومسألة (القناعة الوجدانية) مسألة كبيرة تعتبر من أمهات المسائل في العلم الجنائي الحديث، يلاحظ في إهمالها إضاعة حق كبير وإقامة باطل كثير؛ وقد ذكر الاستاذ (جارو) ذلك في موجزه (الأصول الجنائية) جزء ٢ فقرة ٣٧٧ فقال: (لا ينبغي الحكم بمجرد وجود الاقرار إذ أن موضوع المحاكمة ليس الفصل في منافع خاصة، وإنما هو إظهار الحقيقة وكشفها، ولذاك يجب التدقيق عما إذا كانت ظروف القضية الاقرار صحيحاً)