واستمع أيضاً إلى ابن القيم يشرح في طرقه الحكيمة ص١٧٤ - ١٨٠ اوفى واوضح شرح؛ موضوع علم القاضي الشخصي:(ما علمه القاضي في زمن ولا يته ومكانها وما علمه في غيرها) هذا الموضوع الدقيق جداً في علم الحقوق. قال رحمه الله:
(ومن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (. . . فأقضي له على نحو ما أسمع) واما الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم فصح عن ابي بكر الصديق انه قال: (لو رأيت رجلاً على حد من حدود الله تعالى لم آخذه حتى يكون معي غيري). وعن عمر بن الخطاب انه قال لعبد الرحمن بن عوف:(أرأيت لو رأيت رجلاً قتل أو شرب أو زنى، قال شهادتك شهادة رجل واحد. فقال له عمر صدقت) وعن طريق الضحاك ان عمر اختصم اليه فيمن يعرفه فقال للطالب: (إن شئت شهدت ولم أقض وان شئت قضيت ولم أشهد) وعن علي نحوه، وأما الآثار عن التابعين فصح عن الشعبي أنه قال:(لا أكون قاضياً وشاهداً)
وهم يدللون على صواب هذه المسألة بقولهم:(إن القاضي في غير مصره وغير ولايته شاهد لا حكام، وشهادة الفرد لا تقبل، قالوا وأما الحدود فلا يقضي بعلمه فيها لانه خصم فيها، لأنه حق الله تعالى وهو نائبه). . . وهل يسوغ للحاكم ان ياتي إلى رجل من الناس غير مشهور بفاحشة وليس عليه شاهد واحد فيرجمه ويقول رأيته يزنى، أو يقتله ويقول سمعته يسب، او يفرق بين الزوجين ويقول سمعته يطلق، وهل هذا غلا محض التهمة، ولو فتح هذا الباب ولاسيما لقضاة هذا الزمان لوجد كل قاض له عدو، السبيل إلى قتل عدوه ورجمه وتفسيقه والتفريق بينه وبين امرأته، لاسيما إذا كانت العداوة خفية لا يمكن لعدوه اثباتها)
وقد يحسن بنا بعد هذه المقارنة بين اصول التحقيق الجنائي في التشريعين الاسلامي والاوربي، ان نختم موضوعنا بكلمة جامعة للعلامة جلال الدين السيوطي تدل على سمو الغاية، وكمال المسمى الاسلامي في التشريع القائم على تحقيق العدل وضمان المصالح الإنسانية، وفي هذه الجملة تتجلى حيطة لقاضي النزيه، وخشيته ان يأخذ البريء بعقوبة المذنب. قال رحمه الله:(اعلم انك ان تخطيء في العفو في الف قضية، خير من ان تخطيء في العقوبة في قضية واحدة)