لاحظ هذا المجلس نفسه وقد حضرته امرأة (امرأة واحدة ليس غير) تجد الحركات تتزن، والأصوات ترق، والمناقشات تنتج، والأحاديث تحتشم، والكلمات تنتقى، والذوق يسمو، والإحساس يدق، ذلك لأن الرجل حريص بطبعه على أن يجمل سمته في عين المرأة، ويحسن صوته في أذن المرأة، ويسوغ رأيه في عقل المرأة، والأخلاق المكتسبة تبتدئ بالتطبع وتنتهي إلى الطبع.
جهل الأولون وظيفة المرأة فلم يعرفوها إلا متاعا وزينة، لذلك اشتد تنافسهم فيها وتنازعهم عليها واستئثارهم بها حتى ضربوا دونها الحجب، وأحصوا عليها الأنفاس، وبثوا حولها العيون، فجعلوها بذلك قينة لا شريكة، ومملوكة لا مليكة، وكان من جريرة ذلك عليها أن وهن جسمها لقلة العمل، وساء خلقها لفقد الحرية، وضعف تفكيرها لترك التدبير، وغفل ضميرها لعدم المسئولية، فلم تفكر إلا في حللها وحليها، ومدافعة الضرائر والجواري عن نصيبها من زوجها. . . لقد كان للأسلاف ولا شك عذر في إقصاء المرأة عن مكانها من المجتمع وخير أعذارهم انهم كانوا ينظرون إلى المرأة نظرهم إلى الكنز الثمين،. وكان من عادتهم في الكنوز أن يدفنوها في الأرض أو يحفظوها في الخزائن. ذلك إلى أن عمرانهم لم يكن من السعة والتعقد بحيث يطلب نشاط الجنسين جميعا، فحملَ الرجال وحدهم أعباءه وقالوا:
كتب الموت والقتال علينا ... وعلى الغانيات جر الذيول
أما نحن فبأي عذر نعتذر وعلى أي حجة نعتمد؟ إن الأمم الراقية التي نعاصرها ونصارعها لم تزل تنظر إلى المرأة نظر الأسلاف إليها، ولكنها عرفت كيف تحتفظ بالكنوز وتستفيد منها، فهي تعرضها اليوم في المتاحف أداة علم ومتعة، وفي المصارف رأس مال وقوة. وعمراننا قد زخر واستبحر حتى اعتدى فيه العمل على الراحة، والتنافس على العدل، والقوة على الحق، وتسلح الغربي في جهاد الحياة بقوى الطبيعة في السماء والأرض، ونحن ما زال نصفنا اللطيف قاعداً عن الإنتاج عاطلا من العمل.
أنا لا أريد أن ندفع بفتاتنا في أتون الحياة المستعر فتحمل الفأس، وترفع المطرقة، وتقعد