وقد أدى إلى إغراق الناس في وصف أصفهان وأقليمها استجار العمران هناك، وكثرة القرى، والمياه والزروع. وقد حدثني مهندس ألماني في مدينة أصفهان أن من بقاع اصفهان بقعة يسير فيها السائر خمسة عشر كيلاً بين الأشجار. وبُنيت الأقاليم القطن والتبغ والبطيخ وكثيراً من الفاكهة
والمدينة على نهر زنده رود (النهر الحي)، ويسمى اليوم زايَنده رود (النهر الوَلود). حدثني رجل أنه سمي بهذا لانبجاس مياهه من الأرض في مواضع كثيرة. قال ياقوت:(زند روذ نهر مشهور عند أصبهان، علمه قرى ومزارع؛ وهو نهر عظيم أطيب مياه الأرض وأعذبها). وقال في موضع آخر:(وقد وصفه الشعراء فقال بعضهم:
لست آسي من اصبهان على شي ... ء سوى مائها الرحيق الزلال
ونسيم الصبا ومنخرق الري ... ح وجو صاف على كل حال
ولها الزعفران والعسل الما ... ذي والصافنات تحت الجلال)
وكذلك قال الحجاج لبعض من ولاه اصبهان: قد وليتك بلدة حجرها الكحل، وذبابها النحل، وحشيشها الزعفران.
وقال آخر:
لست آسي من اصبهان على شي_ء أنا أبكي عليه عند رحيلي
غير ماء يكون بالمسجد الجا ... مع صاف مزوق مبذول
ولعل قول كل من هذين الشاعرين (لست آسي) لما تحدث به القدماء من وصف أهل اصبهان بالبخل. وقد حكي عن الصاحب ابن عباد أنه كان إذا أراد الدخول إلى اصبهان قال: من له حاجة فليسألنيها قبل دخولي إلى اصبهان، فانني إذا دخلتها وجدت بها في نفسي شحاً لا اجده في غيرها. وقد روي ياقوت بيتين كتبا في بعض الخانات التي في طريق اصبهان:
قبح السالكون في طلب الرز_ق على أيذج إلى اصبهان
ليت من زارها فعاد اليها ... قد رماه الآلة بالخذلان
وعلى نهر اصبهان اليوم ثلاث قناطر من عجائب الآثار، أكبرها قنطرة (الله ويردي خان) أحد قواد الشاه عباس، وتسمى اليوم (بلِ سي وسه جشمه)، أي القنطرة ذات الثلاث