والثلاثين عيناً. وهي مبنية بالحجارة الضخمة، تسير فوقها طريق واسعة لها جدران عاليان. والنصف الأسفل من عيونها يسد بالخشب إذا أريد حبس الماء، وعلى جانبي العون في قاع النهر سنادان من الحجر يسير عليهما الناس حين انخفاض الماء
ومدينة اصبهان قديمة ذكرها بطليموس. وكانت ذات مكانة عظيمة قبل الأسلام؛ ولم تزل في الإسلام معدودة من أمهات المدن الفارسية
وقد تقبلت بها غيرٌ كثيرة واهتمت بالسيطرة عليها ل الدول الإسلامية الشرقية، فتولى أمرها السامانيون والبويهيون والغزنويون والسلاجقة، وكان السلطان ملكشاه السلجوقي يحب المُقام بها. ولما سالت على المسلمين كوارث التتار، ساروا اليها سنة ٦٢٥ فدفعهم عنها البطل العظيم جلال الدين خوارزمشاه، ولما كانت الدولة التيمورية ثار أهل أصفهان على الجبار تيمورلنك سنة ٧٩٠ فقتلهم حتى قيل إنه جمع سبعين ألف رأس فبنى بها أهراماً
وامجد عهود أصبهان عهد الدولة الصفوية، ولا تزال آثارها ناطقة بما كان لما من جلال وجمال في ظل هذه الدولة
وقد بلغ سكانها في ذلك العهد ستمائة ألف، وكان بها ثمانية وثلاثون ألف دار، واثنان وستون ومائة جامع، وثمان وأربعون مدرسة، وثلاث وسبعون ومائتا حمام، وثمانمائة وألف خان، (كاروانسراي) وكان محيطها فيما يقال أربعة وعشرين ميلا
ولما أغار الأفغانيون على إيران وقضوا على الدولة الصفوية، ثم صارت طهران دار الملك تناقص عمران المدينة، ودالت دولتها، وسكانها اليوم ثمانون ألفاً، ومحيطها ميلان، ولكن لها شأناً عظيماً في التجارة والصناعة
دخلنا المدينة ليلاً، فأوينا إلى فندق اسمه (فندق الفردوس). وكان يسمى الفندق الأمريكي، وهو في شارع واسع مشجر قديم يقال إن أشجار من عهد الشاه عباس الكبير، وهو أعظم شوارع المدينة. وجاءنا بعد قليل رئيس البلدية فحيانا وقال إنه يود أن ننزل داراً خاصة في ضيافة الحكومة، فشكرنا له وللحكومة هذه الحفاوة، وآثرنا أن نبقى في الفندق، فأبلغنا دعوة الحاكم إيانا إلى العشاء في داره غداً
لم يمكنا الأعياء من التجول في المدينة تلك الليلة، ولكن نعمنا بمرأى أشجار الحور الباسقة