- (أحدهما فق والثاني لا حق بع عما قريب ولابد، لأن مرض الثاني لا يظهر إلا بعد أن يتلاشى المريض الأول، إن الفتى لن يحتمل هذا المرض أكثر من شهر آخر، وإذ ذاك فلا بد من معاينة الفتاة)
ثم استمر قائلاً:
- (لعلك قد لاحظت أن الفتاة تعلو وجهها سحابة حزن كثيفة وان طورها طور مكتئب شديد الكآبة، فهل عرفت منشأ ذلك؟ منشؤه الخوف، إن الفتة لا تفقه ذلك من أمر هذا المرض الذي نزل بأخيها شيئاً، وأني لها أن تفقه ذلك وهي لا تزال طفلة؟ ولكنها مع هذا تعلم يقيناً أن أخاها معرض لخطر شديد محدق له، أنها تسمع كل يوم من أفواه الناس هذه الكلمات فترسخ في قلبها الصغير وتترك فيه أثراً من الخوف:
كيف حاله اليوم؟ هل عاودته النوبة؟ كم درجة حرارته اليوم؟
وهي في كل يوم أيضاً تسمع من أمها هذه النصيحة مئات من المرات:
اجلسي يا فتاتي بجانب أخيك، لا طفيه، لا عيبه، لا تؤلميه، إن أخاك لا يحتمل ذلك
إن هذه الجمل والعبارات تطرق مسمعها كل يوم مرات عديدة فتترك في قلبها الحساس أثراً عميقاً كله خوف ووجل، ومع ذلك فكثيراً ما رأت والديها وهما يمسحان دموعهما خفية، وكثيراً ما رأتهما بعد أن يخرجا من غرفة أخيها المريض يحتضنانها ويقبلانها قبلات حارة، ثم تضمها امها اليها بحرارة كأنها تود المحافظة عليها من عدو يريد اختطافها بعد أن نفضت يدها من أخيها، فهي لذلك تشعر من سويداء قلبها الصغير بخوف ووجل لا تفقه منشؤهما ولا تعرف مأناهما، وهي لذلك حزينة كئيبة. وأما المريض الحقيقي فانه طروب فرح مملوء نشاطاً ومرحاً، لقد كان حتى الآن محبوساً في البيت، محروماً من التمتع بالطبيعة، فلما أطلق سراحه عاد دمه إلى الغليان بأشعة شمس الربيع المزدهر، وهذه دورة من دورات السل مخيفة، لأن المريض فيها يظن نفسه قد شفي من المرض، مع أن ذلك النشاط هو القوة الباهرة التي تعتري الذين يقفون على أبواب الموت، وهو آخر مظهر تظهره الحياة وتنفق فيه أقصى ما عندها من جهد، وإذ ذاك نقول لأهل المريض خذوه إلى