ومتى كان الدينُ بين ل زوج وزوجته مهما اختلفا وتَدَابرا وتعقدت نفساهما، فان كل عقدة لا تجيء إلا ومعها طريقةُ حلها، ولن يُشاد الدينَ أحدٌ إلا غَلَبه، وهو اليُسر والمُساهَلةُ والرحمةُ والمغفرةُ ولينُ القلب وخشية الله، وهو العهدُ والوفاء والكرمُ والمؤاخاةُ والإنسانية، وهو اتساعُ الذات وارتفاعها فوق كل ما تكون به منحطةً أو ضيقة
قال أبو معاوية: فحق الرجل المسلم على امرأته المسلمة هو حق من الله ثم من الأمة ثم من الرجل نفسه ثم من لطف المرأة وكرمها ثم مما بينهما معاً. وليس عجيباً بعد هذا ما روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم:(لو كنت آمراً أحد أن يسجد لأحد لأمرتُ النساء أن يسجدْن لأزوجهن لما جعل الله لهم عليهن من الحق)
وهذه عائشة أم المؤمنين قالت: يا معشر النساء لو تَعلمْن بحق أزواجكن عليكن، لجعلت المرأةٌ منكن تمسح الغبار عن قدمي زوجها بِحُر وجهها
قال أبو معاوية: وكأن الشيخ قد استبطأني وقد تركته في فناء الدار، وكنت زورتُ في نفسي كلاماً طويلاً عن فروته الحقيرة التي يلبسها، فيكون فيها من بذاذة الهيأة كالأجير الذي لم يجد من يستأجره فظهر الجوع حتى على ثيابه. . . . وقد مر بالشيخ رجل من المُسودة وكان الشيخ في فروته هذه جالساً في موضع فيه خليج من المطر، فجاءه المسود فقال قم فاعُبر بي هذه الخليج، وجذبه بيده فأقامه وركبه والشيخ يضحك
وكنت أريد أن أقول لأم محمد: إن الصحو في السماء لا يكون فقراً في السماء، وإن فروة الشيخ تعرف الشيخ أكثر من زوجته، وإن المؤمن في لذات الدنيا كالرجل الذي يضع قدميه في الطين ليمشي، أكبر همه ألا يجاوز الطينُ قدميه
ولكن صوت الشيخ ارتفع: هل عليكم إذْن؟
قال معاوية: فَبدرْتُ وقلت: بسم الله ادخل؛ كأني أنا الزوجة. . . وسمعت همساً من الضحك؛ ودخل أبو محمد إن شيخك في ورعة وزهدة ليشبعه ما يشبع الهدهد، ويرويه ما يروي العصفور، ولئن كان متهدماً فانه جبل علم، (ولا تنظري إلى عمش عينيه، وحموشة ساقيه، فانه إمام وله قدْرٌ)
فصاح الشيخ: قم أخزاك الله، ما أردت إلا أن تعرفها عيوبي! قال أبو معاوية: ولكني لم أقم، بل قامت زوجة الشيخ فقبلت يده.