قال أبو معاوية: وغاظتني زوجةُ الشيخ فلم أسمع لها هَمسةً من الضحك لمثل الحمقاء وما اخترعُته إلا من أجلها، كأنها تريد أن تذهب عملي بالاً. فقلت: وهل تتسع أم معاوية من فقرها إلا كما اتسع ذل الأعرابي في صلاحه؟
قالت: وما خير الأعرابي؟
قلت: دخل علينا المسجد يوماً أعرابي جاء من البادية وقام يصلي فأطال القيام والناس يرمقونه، ثم جعلوا يتعجبون منه، ثم رفعوا أصواتهم يمدحونه ويصفونه بالصلاح. فقطع الأعرابي صلاته وقال لهم: مع إني صائم. . .
قال أبو معاوية: فما تمالكت أن ضحكت وسمعتُ صوت نفسها وميزت فيه الرضى مقبلاً على الصلح الذي أتسبب له. ثم قلت:
وإذا ضاقت الدار فِلمَ لا تتسع النفسُ التي فيها؟ المرأة وحدها الجو الانساني لدار زوجها، فواحدةٌ تدخلُ الدار فتجعل فيها الروضة ناضرةُ متروحة باسمةً، وإن كانت الدارُ قَحِطةً مسحوتةً ليس فيها كبيرُ شيء، وامرأة تدخلُ الدارَ فتجعل فيها مثلَ الصحراء برمالها وقيظها وعواطفها، وإن كانت الدار في رياشها ومتاعها كالجنة السندُسية، وواحدة تجعل الدار هي القبر. والمرأة حق المرأة هي التي تترك قلبها في جميع أحواله على طبيعته الأنسانية، فلا تجعل هذا القلبَ لزوجها من جنس ما هي فيه من عيشة: مرة ذهباً، ومرة فضة، ومرة نحاساً أو خشباً أو تراباً، فانما تكون المرأة مع رجلها من أجله ومن أجل الامة معاً، فعليها حقان لا حق واحدٌ أصغرُهما كبير. ومن ثم فقد وجب عليها إذا تزوجت أن تستشعر الذات البيرة مع ذاتها، فان أغضبها الرجلُ بهفوة منه تجافتْ له عنها وصفحتْ من أجل نظام الجماعة الكبرى، وعليها أن تحكم حينئذ بطبيعة الأمة لا بطبيعة نفسها، وهي بيعة تأبى التفرق والأنفراد، وتقوم على الواجب، وتضاعف هذا الواجب على المرأة بخاصة
والإسلام يضعُ الأمةَ ممثلةً في النسل بين كل رجل وامرأته، وبوجب هذا المعنى إيجاباً ليكون في الرجل وامرأته شيء غير الذكورة والأنوثة يجمعهما ويقيد أحدهما بالآخر، ويضعُ في بهيميتهما التي من طبيعتها أن تتفق وتختلف، إنسانية من طبيعتها أن تتفق ولا تختلف