أما الإنتاج فلا نبالغ إذا قلنا إنه يوشك أن يكون والإنتاج الفرنسي في مستوى واحد، وما على من يرتاب فيما نقول إلا أن يطلع على ما أبقاه العهد العباسي من جليل نفيس. فالخزائن تكاد تضيق بروائع تلك الأعصر الزاهرة
والفضل فضل الدولة القائمة، بل الدول التي قامت في تلك الأعصر. ولو ظلت في مناعتها لكان الأدب العربي اليوم في رقي الأدب الغربي إن لم يكن أرقى منه. ولكن سقوط بغداد في أيدي أعداء العرب طعن الأدب العربي في صميمه. وكان عهد الانحطاط. واستمر هذا الانحطاط طويلاً. استمر ستمائة عام. وفي هذه الأعوام الستمائة جمدت اللغة العربية جموداً قاتلاً. وكادت أركانها تنهار لولا القرآن وبعض الهائمين بها. وفيما هي ترقد رقادها الفاجع تحركت الآداب الأخرى وبنت لها قصوراً منيعة ننظر إليها اليوم معجبين، ونكاد نتناسى في ظلالها أن لنا أدباً حياً لا يقل شأناً عن سائر الآداب الحية، ولكننا وقفنا بينما مشى سوانا، وبينما نرى أننا عاجزون عن اللحاق به. وهذا اليأس زاد في ضعفنا وخمولنا
وقد نظل ضعفاء خاملين لا تقوم لنا قائمة إلا يوم تقوم دولة عربية حرة يتقيأ أديبنا ظلال قبابها العالية. فإذا كتب أو أنشأ علم أن الأيدي تمتد من كل جانب للوقوف على ما كتب أو أنشأ، وما دامت هذه الدولة غير موجودة أو واهية القوى، فلأدب العربي يعيش على سواعد عشاقه. وسواعد عشاقه لا تكفي للنهوض به. فكل ما تفعل أنها ترد عنه عوادي الزمن، وتنقذه من الفناء ريثما يأتيه يوم يرفع فيه رأسه، ويغزو من يغزوه، ويبطش بمن يكتسحه
فالأدب يلمع عندما تلمع الدولة التي يحمل لواءها
وليس الأدب العربي بالشاذ عن القاعدة مع كل ما في القواعد من شواذ!. . . .