ولولاه لاضمحلت اللغة العربية في عصر الانحطاط وتلاشي كل أثر منها
ومال الخلفاء في صدر الإسلام إلى الشعراء فزادوا في إحياء لغة العرب، وهم كانوا في حاجة إلى الشعراء. لقد كانوا في حاجة إلى شعرهم ينالون به من خصومهم ويهدمون من أمجادهم، تشبهاً بالرسول في موقفه من شاعره حسان. ولم يكن للصحف وجود في ذلك الحين. فبحث الخلفاء - وفي طليعتهم معاوية - عمن يقوم بالطعن على خصومه في كلام يردده الحداة ويتناقله الركبان، فلم يجد أمامه غير الشعراء وسادة القريض. ومما زاد في حاجته إليهم اضطراره إلى الكفاح والنضال بعد انتزاعه الخلافة من علي بن أبي طالب. فأصبح للشعر ولقائليه شأن. خصوصاً وقد تعددت في ذلك الحين الأحزاب السياسية والدينية، وأمسى كل سيد قوم بحاجة إلى من يطنب في الثناء عليه ويغالي. ولم يكن ثمة غير الشعراء يصوغون من المديح عقوداً ويتقاضون عنها نقوداً.
فكثر الإقبال عليهم وأكثروا هم من التقلب في مدح هذا يوماً وذاك يوماً آخر استداراً لرفده وعطائه. وراجت بضاعة الشعر فتكاثر الشعراء، وأورقت رياض الأدب، ومعظم الذين حفلت بهم من المكتسبين. غير أن هؤلاء المتكسبين جادوا بأحسن ما عندهم رغبة منهم في غنم أوفر مبلغ مستطاع
وأكثر عصور الأدب ازدهاراً في اللغة العربية هو العصر العباسي، بل الأعصر العباسية على إطلاقها. فقد بلغ الأدب العربي في ذلك الحين القمة، وما اكتفى رجالة بالشعر يصوغونه على الفطرة والسليقة، بل تعمقوا في الأدب يدرسونه وينتقدونه ويؤلفون فيه الكتب والأسفار، فولجوا الأبواب كلها: من نظم ونثر، من نقد ورواية، من علم وتاريخ، وامتزجوا بمن حولهم من الأمم، فوقفوا على الأدب الفارسي والأدب اليوناني، وأضافوا إلى كنوز الأدب العربي كنزاً آخر، وهو كنز لا يقل في شيء عما تفاخر به اللغة الفرنسية من نفائس وروائع، فما نفحها به أدباؤها في عصر (الملك الشمس) والقرن الثامن عشر والتاسع عشر لا يزيد قدره الفني ما طفحت به اللغة العربية في الأعصر العباسية، وكل ما للأدب الفرنسي من ميزة أنه أكثر تنظيماً وتبويباً، وأحكم وحدة وارتباطاً، فالأدب العربي يكاد يكون خالياً من الوحدة والارتباط، فلا صلة بين أجزائه وموضوعاته، ولا لحمة في مؤلفاته. فهي متناثرة كحجارة البناء المطروحة على الطريق تحتاج إلى البنائين ليرصفوا