لا تتعبهم ولا يسرها التنغيص عليهم
وجاء الظهر، وزارني صديق عزيز طال غيابه عني، فقلت له وأنا أنهض معه:
(تعالى نتغذى)
قال: (أين؟)
قلت: (أين؟ في البيت عندنا!)
قال: (بيت؟ لا لا لا. . . تعال إلى المطعم)
قلت: (مطعم؟ يا خبر أسود! لا يا سيدي! لا آكل في مطعم ولو شنقوني)
قال: (كيف تقول؟ لماذا تتكلم بهذه اللهجة؟)
قلت: (يا أخي بالله عليك دع المطاعم فان آكالها لا هنيئة ولا مريئة، وتعالى معي إلى البيت)
وكنت وأنا أدعوه إلى ذلك أرجو أن يرضى، وأخاف أن يأبي، ويف لا أخشى وكل ما معي ثلاثون قرشاً لا تكفيني وحدى، فكيف به معي وهو ضيفي؟ وخطر لي أن أصارحه؛ ولكني استحيت، وقلت خير من ذلك أن أحتال حتى اقنعه وأجره معي، والتفت إلى نفسي وقلت لها همساً:
(أرأيت؟ هل يعجبك هذا؟ هذه الفضيحة تسرك؟ مسرف أنا؟ هيه؟ أنا أبعثر المال باليمين والشمال؟ أنفقه بلا داع. . . . أرميه في التراب! بالله ماذا كان يضيرني أو يضيرك لو أني خرجت بجنيه مثلاً بدلاً من هذه القروش القليلة التي لا تنفع؟)
وبدا لي أن خير ما أصنع في هذا الموقف هو أن أكون رجل عمل لا رجل كلام، فشددت ذراعه وقلت: (تعال!)
قال: (لماذا تجرني هكذا؟ إلى أين؟)
قلت: (إلى البيت. . . . لا فائدة من الكلام تعال)
وشاء سوء الحظ أن تمر في هذه اللحظة مركبة قديمة يجرها جوادان هزيلان معروقان، وأبى السائق اللعين إلا أن يتلكأ ويومئ إلينا بالسوط الذي في يمينه أن نرب، ويقول:
(أجي يا بك؟)
فصحت: (لا لا لا لا. . .) وأشرت إليه أن يذهب عنا، وأن يبعد جداً، وأن يسرع في ذلك