فابتسم الرجل، وأقبل على اللجم يشدها ويرخيها، ويخرج وهو يفعل ذلك أصواتاً ليس في الحروف المعروفة ما يترجمها، فلست أدري أهي جء جء، أم تء تء؟ أم ماذا غير ذلك؟ وأدرت وجهي إلى صاحبي وقلت له:
(وكيف تكتب هذا؟)
وقلدت صوت السائق، فقال:(لا تكتب)
قلت:(ما أشد قصور اللغة إذن، وأقل وفاءها بمطالب التعبير!)
قال:(أي تعبير يا أخي؟ مالك اليوم؟)
قلت:(ألست ترى الخيل تفهم عنه؟ فهي لغة تفهمها، ويجب أن نعرف كيف نكتبها ونرسم الرموز لنطقها، وإلا كان هذا منا قصوراً)
قال:(طيب. . . . . . طيب. . . .)
فقلت محتداً:(كيف تقول طيب؟ أيجوز أن تسع اللغة كل هذا الذي تسعه وتعجز عن أداء هذه الأصوات القليلة؟)
قال:(نعم يجوز. .)
قلت:(كيف تقول؟)
قال (نعم، لأنها لغة مجعولة لأبناء آدم، لا للخيل والحمير)
قلت (ولكن الخيل ليست هي التي تنطق بها، بل هذا السائق الآدمي)
قال:(أسلكه مع الخيل والحمير، وأرح نفسك وأرحني) فسكت، فما بقي لي بعد هذا كلام،