للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبلغنا المطعم الذي اختاره فترجلنا، وأنقدت السائق خمسة قروش - قطعة واحدة، خرجت من عيني، لا يخلا، فما بي بخل، وإني وحقكم لكريم مضياف، وقد سمعتم نفسي تنكر على إسرافي وتبذيري، وتزعمني لذلك من إخوان الشياطين، ومن كان لا يصدق فليجئني بمال، ولير كيف أنفقه له، ولا أبقي لنفسي منه دانقاً!

وجلسنا إلى مائدة نظيفة، وجاء الخادم بورقة كبيرة مطوية فيها ألوان الطعام - أغني أسماءها - فنحيتها عني بإصبعي، وقلت له: (اقرأ واختر لنفسك)

قال: (وأنت؟)

قلت: (ابدأ بنفسك يا سيدي، واتركني لاختياري بعد ذلك) فرفع الورقة أمام عينيه، واضطجعتُ أنا، وجعلت أنظر إليه، وأجيل عيني في جسمه الضخم الهائل الأنحاء، وأسأل ماذا ترى يكفي هذه المعدة الكبيرة ويملأ هذه الكرش العظيمة؟ وماذا يكون العمل إذا جاوز الأمر ما معي؟

ورمي إلى الورقة وقال:

(الاختيار صعب، فاطلب لي أنت ما تشاء!)

فتناولت الورقة، وأنا فرح مسرور، وقلت في سري: (يا مفرج الكروب يا رب) وصرت أنظر في الأثمان، فأهمل ما ثمنه غالياً، وأقصر الاختيار على كل معتدل الثمن أو ضئيله وقلت له:

(في المطاعم يحسن اتقاء الدجاج والسمك، مخافة أن تكون تلك مخنوقة وهذه قديمة، ولست أرى هنا ما يصلح للأكل إلا المرق والأرز والخضر والفاكهة، والجو اليوم حار جداً، فيحسن الاجتزاء بالخفيف من الطعام، والذي لا خوف من الغش فيه)

فخطف مني الورقة وهو يقول: (يا أخي مالك أنت؟ أهي بطني أم بطنك؟ وصحتي أنا أم صحتك؟ ومن قال لك إني مترف يؤذيه الحر ويثقل فيه على معدته اللحم والطير والسمك؟)

قلت: (إنما أخاف عليك الموت، فما زلت شاباً، وقد مات منذ أيام شباب من إخواننا من أكلة. .)

فقاطعني قائلاً: (لا فائدة. . . لا فائدة. . سآكل ما أريد على رغم أنفك)

فهززت رأسي وقلت: (شأنك، إن همي كله ألا يصيبك ما أصاب ذلك الموظف الذي أكل

<<  <  ج:
ص:  >  >>