إلى جانب هذا يعتقد في المادة وفي وساطتها، وهداه وحي نفسه الصادق إلى أن الحياة لا تنتج إلا من حياة، وأن الله لم يخلق هذه الحيوانات في وعاء الماء من لا شيء. . ولكن صبراً. . ولم لا يخلق ما شاء كيف شاء؟ لا سبيل إلى معرفة مأتي هذه الحيوانات إلا التجربة. فقال لوفن لنفسه (فلأجرب)
فغسل كاس خمر غسلاً طيباً وجففه، ورفعه إلى حيث يقطر ماء المطر من سقيفة داره، فلما تجمع فيها بعضه أخذ منه قطرة وسلط عليها عدسته. . . نعم! لا يزال بها قليل من تلك الحيوانات غادياتٍ رائحات. إذن فهي توجد في ماء المطر غب نزوله. ولكن مهلاً، فهذا استنتاج فطير، من أدرانا؟ لعلها كانت على السقف فنزل المطر فاكتسحها في الكأس
فدخل لوفت بيته وخرج بصحن من الصيني داخله أزرق صقيل فغسله ورفعه إلى السماء والمطر يهطل، ورمي بما تجمع فيه من الماء ليتأكد من نظافته، ثم رفعه مرة أخرى، ثم غمس في مائه شعرة من شعراته الزجاجية وبكثير من الحذر حملها بقطرتها إلى مكتبه لينظر فيها. (لقد واتاني الدليل! هذا الماء ليس فيه مخلوق واحد من تلك المخلوقات الصغيرة، فهن لن يأتين من السماء)
ولكنه احتفظ بهذا الماء الساعةَ بعد الساعة، وهو يحدق فيه، واليومَ بعد اليوم وهو يحدق فيه، وفي اليوم الرابع أخذت تلك المخلوقات تتراءى فيه مع ذرات من التراب وخيوط القطن ونسائل التيل
اكتشف (لوفن) هذه الدنيا الجديدة التي لم تخطر على بال أحد، فهل كتب إلى الجمعية الملكية ينبئها خبر هذا الاكتشاف الضخم؟ لا، لم يكن بعدُ أخبرهم، فقد كان رجلاً بطيئاً، وإنما سلط عدساته على كل أصناف الماء، على الماء الذي في مكتبه وهواؤه محبوس، على الماء بالقدر الذي وضعه في الهواء الطلق على سطح بيته، على الماء الذي بقنوات بلدته وهو غير شديد النقاء، وعلى ماء البئر البارد الذي بجنينة داره، وفي كل هذه الأمواه وجد هذه الحيوانات. وراعه صغرها الهائل، فكثير منها لم يبلغ الألفُ منه حجمً الحبة من الرمل، وقارن بعضها بدودة الجبن، تلك الحشرة القذرة الصغيرة، فوقعت منها وقوع النحلة من الفرس
كان لوفن بحاثاً يبحث عن كل شيء وفي كل شيء، ومن غير علم سابق عن تلك الأشياء.