عشرات الملايين من الأضعاف. مخلوقاتٍ شرٍ على البشر مما خالوا من أفاعٍ تنفث النار وتنشر الفزع والدمار. مخلوقاتٍ قتالة، تقتل في صمت، تقتل الطفل وهو في دفء مهده، وتقتل الملك بين أعوانه وجنده. تلك المخلوقات الخفية الحقيرة العدوة اللدود - والتي قد تسالم أحياناً وتصادق - هي التي نظر إليها (لوفن هوك) أول رجل على ظهر البسيطة
- ٣ -
سبق أن حدثتكم عن (لوفن هوك) بأنه رجل كثير الشك كثير الريبة، لذلك لما وقعت عيناه على تلك الحيوانات رآها بالغة الصغر بالغة العجب حتى لا يكاد يؤمن الرائي بها. ومن أجل هذا أعاد النظر ثم أعاده حتى انجمدت يده من مسك المكرسكوب ودَمَعت عيناه من إطالة التحديق، فوجد أن نظرته الأولى لم تكن خُدعةً، فها هي الحيوانات نفسها تعود فتتراءى له، وليست هي من جنس واحد هذه المرة، فها هو جنس ثان أكبر من الأول سريع الحركة رشيق الدوران لأن له بضعة أرجل بالغة في الدقة، وها هو جنس ثالث، ورابع ولكنه صغير جداً فلا يبين شكله، ولكنه حي يدور بسرعة خاطفة فيقطع الأميال في دنياه الصغيرة - في تلك القطرة من الماء
وكان (لوفن) قياساً ماهراً، ولن أنى له بمقياس تُقاس به هذه الحيوانات الصغيرة. جمع لوفن ما بين حاجبيه، وجمع بتجميعه أشتات فكره، واخذ يبحث في زوايا رأسه وفي الأركان المهجورة من ذاكرته بين آلاف الأشياء التي تعلمها وأتقن تعلمها عله يهتدي بها إلى قياس تلك الأحياء، وعدّد ما عدّد، وحسب ما حسب، وخرج من حسابه على أن (الحيوان الأخير الذي رآه أصغر ألف ألف مرة من عين قملة كبيرة). وكان هذا تقديراً صائباً من رجل مدقق محاذر، فنحن نعلم اليوم أن عين القملة التامة النماء لا تزيد حجماً عن عشرة آلاف من تلك الحيوانات
ولكن من أين أتت وكيف سكنت قطرة الماء؟ أجاءت من السماء؟ أم زحفت من الأرض على جدار الإناء حتى بلغت الماء؟ أم قال لها الله كوني فكانت من لا شيء؟
إن (لوفن) يؤمن بالله بمقدار ما آمن به أي هولاندي من أهل القرن السابع عشر، وكان يصفه بأنه خالق هذا الكل العظيم، وكان فوق إيمانه يُعجب به أي أعجاب، وكيف لا يعجب من خالق حاذق عرف كيف يصنع أجنحة النحلة بهذا الجمال المطرب. ولكن (لوفن) كان