وجاءه الكتاب يحمل الشك في ثناياه فغضب. ما كان يُهمه أن يضحك منه حمقى بلدته، ولكن لم يكن يخطر في باله أن ترتاب الجمعية الملكية في قوله. لقد كان يحسب أنهم فلاسفة. أيكتب اليهم بالشرح الذي طلبوا، أم يوليهم من الآن ظهره ويحتفظ بما يعمل لنفسه. وذكر المجهود الذي أنفقه فعز عليه ما احتمل منه، وكأني بك تسمعه يتمتم في نفسه: رحماك اللهم فأنت تعلم كم عملت وعَرِفت، وكم سهرت لكشف تلك الخبايا، وكم احتملت من ضحك الناس وسخرية حماقهم في صناعة مكرسكوباتي وتجويدها واستنباط طرق الرؤية بها. . .
ولكن كما أنه لابد لكل ممثل ممن يسمع وينظر، فكذلك لابد لكل مبتكر من نظارة سماعة. لقد علم (لوفن) أن هؤلاء الشكاكين من أعضاء الجمعية لابد باذلون جهداً لا يقل عن جهده لإنكار دعواه. لقد جرجوه في كرامته، ولكن لابد للمكتشف من نظارة! فكان أن كتب لهم كتاباً طويلاً يؤكد لهم أنه لم يَغلُ فيما وصف، وشرح لهم الحساب الذي عمل، وكتب لهم الحسبة بعد الحسبة من قسمة فضرب فجمع حتى صار كتابه ككراسة صبي في مدرسة وخرج بنتائج قريبة جداً من النتائج التي يخرج بها علماء المكروب اليوم بواسطة ما استجد لهم من عُدة وجهاز. وختم (لوفن) كتابه بقوله إن كثيراً من أهل (دلفت) رأوا تلك الحيوانات الصغيرة العجيبة بعدساته فأكبروها! وأنه يستطيع أن يأتيهم باقرارات شرعية مبصومة مختومة، اثنين منها من رجلين من رجال الله، وواحد من مسجلي العقود، وثمانية أخرى من شهودُ عدول. أما أن يصف لهم كيف صنع مكرسكوباته فهذا ما لا سبيل إليه
كان (لوفن هوك) كثير الريبة في الناس. كان يسمح للناس بنظر الأشياء من عدساته، ويرفعها إلى أعينهم ليحسنوا الرؤية بها دون أن يمسوها، فان هم رفعوا يداً إليها ليتولوا بأنفسهم إحكامها أو لزيادة المتعة بها لم يكبر على (لوفن) أن يطردهم من بيته طرداً. . كان كالطفل بيده تفاحة كبيرة حمراء يعجب بها ويسر برؤية أصحابه لها، ولكنه يصرخ في وجوههم إذا نالوها بأصابعهم خشية أن ينالوها بعد ذلك بأسنانهم
وبناء على هذا وجهت الجمعية وجهها ناحية أخرى، فانتدبت (روبرت هوك) ونهيمياه جرو ليقوما بصناعة أحسن المكرسكوبات المستطاعة، وبتجهيز نقيع مائي من أجود أصناف الفلفل الأسود. وفي الخامس عشر من نوفمبر عام ١٦٧٧ اجتمعت الجمعية وجاءها