وفي سنة ١٨٩٧ سافرت في الشتاء إلى جنيف لغرض سياسي، فانتهزت هذه الفرصة وانتسبت إلى جامعتها في دروس في الأدب والفلسفة أقامتها في الصيف خاصة للحاصلين على درجة علمية، واتفق أن جاء الشيخ وسعد بك زغلول وقاسم بك أمين مصطافين وكان المرحوم قاسم بك يشتغل في كتاب تحرير المرأة وكان يقرأ لنا غالبا بعد الظهر في كتاب للفيلسوف الفرنسي (تين) ومن العجيب إننا كلما التوى علينا فهم عبارة كان الشيخ وهو أقلنا علماً باللغة الفرنسية، يجلو لنا غامضها.
سافر سعد باشا وقاسم بك وبقى الشيخ عبده فانتسب معي إلى دروس الأدب واقبل عليها بجد ومثابرة، وأذكر أن أستاذ الأدب كان قد قرر علينا فيما قرر كتاب (روي بلاس) لفكتور هوجو نقرأه وندرسه ثم نناقشه وننقده في الدرس أمامه فلما جاء يوم المناقشة أدلى كل طالب برأيه والأستاذ يعقب على الآراء فيخطئ ويصوب ويصحح حتى نخرج آخر الأمر بطائفة صالحة من الآراء الصائبة. وخرج الشيخ شديد الإعجاب بما رأى وسمع وقال: هكذا يكون التعليم! نحن في بلدنا لا نعلم واعتزم أن يدخل هذه الطريقة في الأزهر.
كان مراحنا ومغدانا قبل الدرس وبعده إلى حلوانية تجاه الكلية تدعى (اكسلين) ويأبى الشيخ رحمه الله إلا أن يدعوها (اخصلين) على الرغم من وسامتها الظاهرة. وكان زيه وعمامته قيد الأبصار وموضع التساؤل ومستجر الحديث في كل مكان نحله. وهنا ذكر الأستاذ بعض الطرف التي تدل على ظرف الشيخ ولطف روحه ورقة شمائله ثم قال:. . . وكان من عادتنا أن المتقدم منا ينتظر المتأخر عند هذه الحلوانية حتى نذهب إلى الدرس معاً. ففي ذات يوم جئت قبله فانتظرته ثم انتظرته حتى مضى الوقت الذي كان يصل فيه عادة إذا تأخر وكانت الجامعة قد استقدمت أحد العلماء الطبيعيين ليحاضر في استحضار الأرواح والدخول عام والزحام لا بد شديد، فلما أزف موعد المحاضرة ولم يبق إلا دقائق قلت للفتاة: إذا جاء الشيخ فأخبريه أني انتظرته إلى قبيل المحاضرة. ثم مضيت فدخلت مدرج المحاضرات من بابه الأعلى وأخذت مجلسي بين الحضور. ولشد ما كانت دهشتي حين وثبت إلى عيني عمامة الشيخ جالساً في الصفوف الأمامية بين سيدتين جميلتين، يميل على هذه مرة وعلى تلك أخرى!! فداخلني من أمر الإمام ما لم أكن أعهده. ثم خيل إلي أن الزمن