للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كالعصفور قد هيض جناحه وقال له الحرث: أتدلني على عدي بن ربيعة المهلهل وأخلى عنك؟ قال الأسير: أدلك عليه إن وثقت من وعدك. قال الحرث: قد وعدتك. قال الأسير: أنا المهلهل! فما وسع الحرث إلا أن يفي بوعده ويخلي الرجل)

صاح القوم صيحة نكراء وهاجوا وماجوا. قالوا: (لقد أسرفت الحرث)، (يخلي المهلهل بعد أسره؟)، (أليس المهلهل قاتل ولده؟)

(قلنا إن الحرث ضعيف الرأي). (بل الحرث جبان!)

(كانت فرصة ولن تعود). (ولكن هو الوفاء). . .

- ولكن اسمعوا يا قوم. سماع! سماع! سماع: لقد بالغ الحرث في مذلة المهلهل ومهانته. فما تركه إلا وقد جز ناصيته كما يجز صوف النعاج)

وفيما هم يتندرون على المهلهل وجز ناصيته، ويختلفون في تأويل مسلك الحرث، إذ أقبل الحرث على وجهه آثار مختلفة فيها الإعياء وفيها الزهو وفيها الأسف وفيها الرضى. فأقبل عليه القوم بعضهم يسد يده مهنئاً، وبعضهم ينحي عليه باللائمة، وبعضهم يقره على وفائه بالعهد

قال الحرث بن عباد: (وما تركته حتى جززت ناصيته عبرة ونكالاً، أما تخليته فما كنت لأعدل عنها، وقد وعدت الرجل وأنا أجهله، ولو قد نكثت بعهدي للحقت بي سبة لا يمحوها الدهر ولا يغفرها الأهل

لهف نفسي على عدي، ولم أع ... رف عدياً إذ أمكنتني اليدان!

قال الراوي: ومنذ ذلك اليوم فارق المهلهل قومه ونزل في مذحج ولم تقم له قائمة، وظل البكريون من رحيق النصر ينهلون

اليوزباشي أحمد الطاهر

<<  <  ج:
ص:  >  >>