في نحو مائة وخمسين صفحة، وقد أخرجه صاحبه في صورة أنيقة جذابة تشهد له بحسن الذوق ولعلك ترى في هذا الاسم (أغاني الكوخ) ما ترتاح إليه نفسك وخيالك، فإذا مضيت تقرؤه حمدت لناظمه هذه الروح المصرية، بل هذا الإعجاب الشديد بجمال الريف وبهائه، مما يعد خطوة محمودة نحو ما نتمنى بلوغه في نهضتنا الأدبية من صبغ أدبنا بالصيغة المحلية الطبيعية، وتصوير بيئتنا تصويراً يحفظ لثقافتنا لونها، ويبعد عن أدبنا ما يوشك أن يعلق به من بهرج زائف وتكلف مملول
وأذكر أني قدمت للقارئ على صفحات (الرسالة) من أمد قريب (ظلال القمر) للأديب أحمد مخيمر وقد أعجبتني منه هذه الروح المصرية التي أراها أكثر ظهوراً وأتم نضوجاً في ديوان الأديب محمود حسن إسماعيل، فان معظم قصائده تدور حول المناظر الريفية المحبوبة في صعيد مصر مع دقة في الوصف وصدق في الإحساس أعتبرهما باكورة طيبة لابد أن ستتدرج في سبيل الرقي إلى الكمال.
يبد أني وقد أعجبني صدق إحساس شاعرنا، أراه يأتي في شعره ببعض الأخيلة التي لم أستطع أن أصالح ذوقي عليها كما جاء في قصيدة الكوخ وفي قصيدة (تبسمي) و (القيثارة الحزينة) و (النعش) و (سنبلة تغني) و (عند زهرة الفول)، فقد ورد في تلك القصائد بعض المعاني الجزئية التي لا تتواءم وطبعه
هذا إلى استعماله بعض المجازات والاستعارات كتصفيق الألحان في القلب، وأجفان القلاع، وقوله إنه رشف قصائده من يغر عشيقته وغير ذلك مما لا يتسع له المجال
ولست أغضب الأديب محمود حسن إسماعيل فيما أعتقد، إن نبهته في إخلاص إلى الاهتمام بتجويد فنه والاهتمام بمعانيه، فديباجته في الجملة مشرقة، ولغته سليمة وألفاظه جيدة، كذلك يجدر به أن يولي قوافيه من العناية أكثر مما يفعل، ولئن اهتم بذلك فسوف نرى منه في المستقبل القريب شاعراً مصرياً رقيقاً.