للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ظهره ويركبه؛ وأبى عليه ابن المدير ودافعه، يرى ذلك ثلماً في شرفه ونسبه وسطوة أبيه؛ فلم يكد يعتلُ بهذه العلة ويذكر أباه ليعرفهم آباءهم. . . . حتى هاجت كبرياؤهم، وثارت دفائنهم، ورقصت شياطين رءوسهم؛ وبذلك وضع الغبي حقد الفقر بازاءُ سخرية الغني؛ فألقى بينهم مسئلة المسائل الكبرى في هذا العالم، وطرحها للحل. . . . . .!

وتنفشوا للصولة عليه، فسخر منه أحدهم، ثم هزأ به الآخر، وأخرج الثالثُ لسانه؛ وصدمه الرابع بمنكبه؛ وأفحش عليه الخامس؛ ولكزه السادس؛ وحثا السابع في وجهه التراب!

وجهد المسكين أن يفر من بينهم فكأنما أحاطوه بسبعة جدران فبطل إقدامه وإحجامه، ووقف بينهم كما كتب الله. . .! ثم أخذته أيديهم فانجدل على الأرض، فتجاذبوه يمرغونه في التراب!

وهم كذلك إذا انقلب كبيرهم على وجهه، وانكفأ الذي يليه، وأزيح الثالث، ولُطمَ الرابع، فنظروا، فصاحوا جميعاً: (جُعْلُص، جعلص!) وتواثبوا يشتدون هرباً. وقام عصمت ينتخلُ الترابُ من ثيابه وهو يبكي بدمعه وثيابه تبكي بترابها. . .!

ووقف ينظر هذا الذي كشفهم عنه وشردتهم صولته، فإذا جعلص وعليه رجفانٌ من الغضب، وقد تبرطمت شفته وتقبض وجهُه كما يكون (ماشيست) في معاركه حين يدفع عن الضعفاء.

وهو طفل في العاشرة من لِدات عصمت، غير أنه مُحتنكٌ في سن رجل صغير؛ غليظٌ عَبلٌ شديدُ الجبلة متراكبٌ بعضه على بعض، كأنه جني متقاصر يهم أن يطولَ منه المارد. فأنس به عصمت، واطمأن إلى قوته، وأقبل يشكو له ويبكي!

قال جعلص: ما اسمك؟

قال: أنا ابن المدير. . . .!

قال جعلص: لا تبك يا ابن المدير. تعلم أن تكون جلداً، فإن الضرب ليس بذلٍ ولا عار، ولكن الدموع هي تجعله ذلاً وعاراً؛ إن الدموع لتجعل الرجل أنثى. نحن يا ابن المدير نعيش طول حياتنا إما في ضرب الفقر أو ضرب الناس، هذا من هذا؛ ولكنك غنيٌ يا ابن المدير، فأنت كالرغيف (الفينو) ضخمٌ مُنتفخٌ ولكنه ينكسر بلمسه، وحشوهُ مثل القطن!

ماذا نتعلم في المدرسة يا ابن المدير إذا لم تعلمك المدرسة أن تكون رجلاً يأكل من يريدُ

<<  <  ج:
ص:  >  >>