قال الرابع: يا ويلك لو سمعُ جعلص، فان لكماته حينئذ لا تترك أمك تعرف وجهك من القفا!
قال الخامس: ومن جعلص هذا؟ فليأت لأريكم كيف أصارعه، فاجتذبه، فاعصره بين يدي، فأعتقل رجله برجي، فأدفعه، فيتخاذل، فأعركه، فيخرُّ على وجهه؛ فأسمره في الأرض بمسمار!
فقال السادس: ها ها! إنك تصف بأدق الوصف ما يفعله جعلص لو تناولك في يده. . .!
فصاح السابع: ويلكم! هاهو ذا. جعلص، جعلص، جعلص!
فتطاير الباقون يميناً وشمالاً كالورق الجاف تحت الشجر إذا ضربته الريح العاصف. وقهقه الصبي من ورائهم فثابوا إلى أنفسهم وتراجعوا. وقال المستطيل منهم: أما إني كنت أريد أن يعدو جعلص ورائي، فأستطردُ إليه قليلاً أطمعه في نفسي، ثم أرتد عليه فآخذه كم فعل (ماشيست الجبار) في ذلك المنظر الذي شاهدناه
وقهقه الصبيان جميعاً. . . .! ثم أحاطوا بعصمت إحاطة العشاق بمعشوقة جميلة، يحاول كل منهم أن يكون المقرب المخصوص بالحظوة، لا من أجل أنه ابن المدير فحسب، ولكن من أجل أن ابن المدير تكون معه القروش. . . فلو وُجدت هذه القروش مع ابن زبال لما منعه نسبه أن يكون أمير الساعة بينهم إلى أن تنفذ قروشه فيعود ابن زبال. . .!
وتنافسوا في عصمت وملاعبته والاختصاص به، فلو جاء المدير نفسه يلعب مع آبائهم ويركبهم ويركبونه، وهم بين نجار وحداد، وبناء وحمال، وحوذي وطباخ، وأمثالهم من ذوي المهنة والمكسبة الضيئلة - لكانت مطامع هؤلاء الأطفال في ابن المدير، أكبر من مطامع الآباء في المدير.
وجرت المنافسة بينهم مجراها، فانقلبت إلى مُلاحاة، ورجعت هذه الملاحاة إلى مشاحنة، وعاد ابن المدير هدفاً للجميع يدافعون عنه وكأنما يعتدون عليه، إذ لا يقصد أحدٌ منهم أحدا بالغيظ إلا تعمدَ غيظ حبيبه ليكون أنكأ له وأشد عليه!
وتظاهروا بعضهم على بعض، ونشأت بينهم الطوائل، وأفسدهم هذا الغني المتمثل بينهم، ويا ما أعجب إدراك الطفولة وإلهامها! فقد اجتمعت نفوسهم على رأي واحد. فتحولوا جميعاً إلى سفاهة واحدة أحاطت بابن المدير، فخاطره أحدهم في اللعب فقمره، فأبى إلا أن يعلوَ