رفقٍ على هذه الشواطئ الفتانة، هي لا تعي شيئاً ولا ترى أحداً. الوجود كله تلخص في ذلك النظر وفي السر الذي يحتويه. على صفحة الماء المائجة نظرٌ مليء بالسر. في الفضاء حولها نظر مليء بالسر. في الغصون المتشابكة نظرُ مليء بالسر. في الأبعاد المترامية، في ألوان الشفق، في هبوب النسيم، وبخاصة في صميم كيانها نظرٌ مليء بالسر يهمس: أردت أن أنبهك. . . .
- ألهُ مثل هذا النظر مع سائر النساء؟
هرولت السيارةُ في شارع الجيزة ولوت متحولة إلى ناحية الروضة لتعود إلى المدينة من شارع القصر العيني. وطول الطريق على صفحة الماء، في امتداد السبل، في رؤوس الأشجار، في المركبات والسيارات، في أشباح السابلة، في واجهات المخازن، في مصابيح الشوراع، في كل مكان لم يكن هناك إلا ذلك النظر الواحد وسره المكنون
- أهذه طريقته في النظر إلى النساء؟
ووقفت السيارة فنزلت صاحبة الثوب الأزرق مودعة صويحباتها، وكأنها تتكلم وتتحرك مرغمةً. ودخلت مخدعها، فإذا بالنظر ينتظرها هناك، مع أنها لم تتخيل وجوده عندما غادرت هذا المكان قبل ثلاث ساعات
دنت من مرآتها تتعرف فيها هيئتها فرسمت لمها المرآةُ وجههُ لا وجهها، وأقبل النظر يتسرب إلى كيانها مع سره. فتأملتهً ملياً وسألت:
- ألك مثل هذه النظرة مع غيري؟
فلم تسمع لا من النظر ولا من نفسها الجواب
أطالت التحديق في المرآة، وقالت تخاطبهُ: - أين أنت الآن؟ كيف تجري حياتك؟ كيف تجري حياتك كل يوم؟ ماذا أنت صانع بنظرك في هذه الدقيقة؟
في تلك الدقيقة كان الفتى بين أصحابه عند جروبي، وقد رفع كأس الوسكي إلى شفتيه ناظراً بعينين ناعستين إلى الغادة الجالسة قربهُ في ثوب عاجي، وقائلاً ببطء: