ويخمد كل ثورة تشهر عليه، وكثيراً ما ينفرد بنفسه في جب الصحراء دون خوف من أحد من عسكره أو بطانته، وتلك أعمال وصفات ليست للبشر!
هكذا يفسر الداعي لنا أعمال الحاكم وتصرفاته المثيرة المدهشة؛ وما اعتبره المعاصرون شذوذاً وإسرافاً وجنوناً، وما يسمه التاريخ بميسم التناقض والتخريف والاغراق، إنما هو في زعم الداعي السمو فوق مدارك البشر، والتحلي بصفات ليست للبشر؛ ومهما يكن في ذلك التفسير من غلو وتحريف، فهو محاولة ذكية جريئة لتبرير ما لم تبرره الشرائع والمجتمع، وما لم يبرره التاريخ
ولا يقف حمزة بن علي عند الدعوة لسيده ومولاه، بل يدعو لنفسه أيضاً؛ فإذا كان الحاكم هو (الإله)، فان الداعي هو رسوله ونبيه؛ وعلى هذا فان حمزة الذي يصف نفسه في معظم رسائله بهادي المستجيبين، ينتحل النبوة لنفسه صراحة، ويزعم أن هذه النبوة قد تأيدت بالمعجزات التي أسبغها مولاه الحاكم عليه؛ ألم يشتبك عشرون من رجاله مع مائتين من عسكر خصومه، فلا يقتل من أصحابه سوى ثلاثة وينهزم الخصوم؟ ألم تنشب موقعه أخرى في المسجد بين قلة من أنصاره وكثرة من خصومه فينتصر الصحب دائماً؟ فهذه أعمال تخرج عن قدرة البشر، وهي من معجزات الداعي!
ويبدو من التواريخ التي يذيل بها الداعي رسائله أنها كتبت بين صفر سنة ٤٠٨هـ، وأواخر سنة ٤٠٩هـ. وكما أن الداعي يصف لنا سنة ٤٠٨هـ بأنها هي أول سني قائم الزمان (الحاكم)، فهو يصفها أيضاً بأنها أول سني (ظهور عيد مولانا ومملوكه هادي المستجيبين) ومعنى ذلك أن حمزة بن علي بدأ القيام بدعوته في أوائل سنة ٤٠٨هـ؛ ونستدل أيضاً من تعاقب التواريخ في هذه الرسائل الثمانية أنها تكون وحدة متصلة قائمة بذاتها؛ وهذه الرسالة هي متن الدعوة وهي ذروتها؛ وقد أستمر حمزة في تنظيم دعوته وبثها تحت رعاية الحاكم وإشرافه حسبما ينوه في بعض رسائله؛ ولكن الحاكم زهق غيلة في شوال سنة ٤١١هـ فماذا حدث لتلك الدعوة بعد ذهابه؟ لقد كان اختفاء الحاكم بتلك الصورة الفجائية الغامضة مستقى جديداً للدعاة، فزغم بعضهم أنه اختفى ليظهر في عصر آخر، أو أنه رفع إلى السماء، وأن في هذا الاختفاء ذاته ما يؤيد الزعم بألوهيته وقد استمرت هذه الدعوة الإلحادية بعد مصرع الحاكم عصراً آخر، وإن كانت قد اتخذت سبلاً