للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ومواطن أخرى، وأمامنا مجموعة أخرى من تلك الرسائل الإلحادية هي التي أشرنا إليها فيما تقدم؛ ويبدو من موضوعها وأسلوبها وألفاظها أنها من تأليف حمزة بن علي ذاته؛ وقد ذيلت بتواريخ وضعها - في جمادى الآخرة من سني ولي الحق العاشرة، وفي صفر سنة إحدى عشرة من سني قائم الزمان، وفي السنة الرابعة عشرة من سني قائم الزمان. . . . الخ؛ وعهد قائم الزمان يبتدئ كما تقدم في سنة ٤٠٨هـ، وعلى ذلك تكون هذه الرسائل قد كتبت بين سنة ٤١٨ وسنة ٤٢٢هـ، ويكون حمزة بن علي قد استمر قائماً بدعوته الإلحادية إلى هذا التاريخ أو بعده بقليل؛ ولم تنته الدعوة بمصرع الحاكم بأمر الله، ولكنها استمرت تغذيها قوى وعناصر أخرى

ولقد كانت هذه الدعوة الإلحادية بلا ريب جزءاً من الدعوة الفاطمية السرية، ولكنها اتخذت في عصر الحاكم بأمر الله صورة خاصة، وانحرفت عن غايتها العامة لتعمل على تحقيق غاية خاصة. وقد نقل إلينا المقريزي بياناً شافياً عن هذه الدعوة السرية الشهيرة ومراتبها التسع، وهي في مجموعها فكرة إلحادية فلسفية نظمت في مراتب متعاقبة للعمل على هدم العقيدة الإسلامية بصفة خاصة والعقيدة الدينية بصفة عامة، واستبدالها بفكرة فلسفية ترتفع فوق إفهام الكافة. بيد أن هذه الدعوة الإلحادية العامة تنحرف في عصر الحاكم لتعمل على تحقيق فكرة خاصة هي (ألوهية) قائم الزمان أعني الحاكم بأمر الله، وهي مع ذلك تجري مجراها العام في مجالس الحكمة بالقصر ودار الحكمة. وإنها لصفحة من أغرب صحف الثورة على الإسلام؛ بيد أنها كانت ثورة سرية تقصد إلى غزو العقول والأفهام، ولم تكن فورة عنيفة تسحق كل شيء في طريقها بالقوة المادية كما كانت قوة القرامطة، وهذه الرسائل الكلامية الغريبة التي يتركها لنا الداعي تلقي ضياء على كثير من التفاصيل الخاصة التي كانت ترتبط بالدعوة السرية الفاطمية، وبفتن الدعاة في سكبها وتنظيمها.

ولقد نظمت الدعوة الفاطمية قبل عصر الحاكم بأمر اله بكثير؛ ومنذ عصر المعز لدين الله وولده العزيز تعقد مجالس الحكمة؛ ولكنها كانت عندئذ علنية، وكانت فقهية تجري المحاضرة فيها في فقه آل البيت ومبادئ الشيعة؛ وكانت الخلافة الفاطمية يومئذ تتشح بشعار الإمامة الإسلامية على أنها من حق الفاطميين وتراثهم الخالص، وعلى أنها عنوان الزعامة الشرعية من الوجهتين السياسية والدينية، ولكن هذه الدعوة الدينية السياسية ما

<<  <  ج:
ص:  >  >>