للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لبثت أن تطورت بسرعة، واتخذت صبغتها الإلحادية المغرقة في عصر الحاكم بأمر الله. ومن الغريب أن يكون الحاكم، ذلك الذهن الهائم المضطرب، هو القائم بأعظم دور في تغذية هذه الحركة وبثها، وهو المنشئ لدار الحكمة التي لبثت مبعثها وملاذها عصراً، بيد أن هذا الإغراق ذاته كان ضربة شديدة للدعوة الفاطمية، لأنه جعلها وقفاً على رهط من الدعاة المغامرين الخبثاء، وباعد بينها وبين الكافة، وأسبل عليها ألواناً خطرة من الزيغ والإلحاد، ولهذا فقدت الدعوة الفاطمية غير بعيد قوتها وأهميتها وإن كانت مجالس الحكمة قد استمرت بعد ذلك حتى أوائل القرن السادس

ونلاحظ من جهة أخرى أن معظم أولئك الدعاة الذين اضطلعوا ببث هذه المباديء والتعاليم الإلحادية في مصر لم يكونوا من المصرين، وإنما كانوا من الأجانب الذين اجتذبتهم الخلافة الفاطمية ببهائها ومشاريعها السرية؛ وقد ذكر لنا حمزة بن علي أسماء بعض أقطاب الدعاة مثل علي بن عبد الله اللوائي، ومبارك ابن علي، وأبو منصور البردعي، وأبو جعفر الحبال، هذا عدا الأخرم ومحمد بن إسماعيل الدرزي السابق ذكرهما؛ ولم يحسن المصريون استقبال هؤلاء الدعاة الخطرين، بل قاوموهم، وفتكوا بهم في أحيان كثيرة، أو اضطروهم إلى الفرار؛ ولم يستطع واحد منهم أن ينشئ له بمصر فرقة حقيقية من الأنصار والمؤمنين، وإن كان الدرزي قد استطاع أن ينشئ له بالشام فرقة جديدة هي طائفة الدروز التي ما زالت قائمة حتى اليوم

وهنا تعرض نقطة ما تزال موضع الجدل، وهي من هو مؤسس مذهب الدروز الحقيقي؟ وماذا كان نصيب حمزة بن علي في إنشائه؟ والمعروف أن بعض المستشرقين، ومنهم دي ساسي، يعتبرون أن حمزة هو مؤسس المذهب الحقيقي، لأن كثيراً من تعاليمه ورسائله تمثل في كتب الدروز المقدسة، وقد أشكل على بعضهم فهم مزاعم حمزة، فأعتقد أنه هو الذي يحمل لقب (قائم الزمن) الذي يتردد في رسائله ودعواته، في حين أنه صريح في إسناد هذا الوصف للحكام بأمر الله. والواقع أن فرقة الدروز تنسب قبل كل شيء إلى الدرزي، وهو الداعي محمد بن إسماعيل الذي تقدم ذكره، وفي بعض رسائلحمزة ما يلقي شيئاً من الضياء على نصيبه الحقيقي من الدعوة؛ ومن المرجح أن الدرزي سبق حمزة في القدوم إلى مصر، وفي الدعوة إلى (ألوهية) الحاكم بأمر الله كما قدمنا؛ ولكن الظاهر أيضاً

<<  <  ج:
ص:  >  >>