أن حمزة ما لبث أن تفوق عليه وفاز دونه بالزعامة والقيادة، وأن خصومه نشبت بينهما كان الظافر فيها هو حمزة. ويشير حمزة إلى ذلك في رسالته الرابعة الموسومة بالغاية والنصيحة حيث يحمل علي الدرزي الذي هو (نشتكين)(وهو لقب تركي يطلق على الدرزي ويعرف به)
ويقول إنه (تغطرس على الكشف بلا علم ولا يقين، وهو الضد الذي سمعتم بأنه يظهر من تحت ثوب الامام، ويدعى منزلته. . . وكان من جملة المستجيبين حتى تغطرس وتجبر وخرج من تحت الثوب، والثوب هو الداعي والسترة التي أمره بها إمامه حمزة بن علي الهادي إلى توحيد مولانا جل ذكره) ثم يقول إن الدرزي أنكر التعاليم وتمرد وأثار للجدل بينهما، وغره ما كان يضربه من زغل الدنانير والدراهم، ويبدو من ذلك جلياً أن حمزة كان يقف من الدرزي موقف الإمام والأستاذ، وأن الدرزي خرج على تعاليمه ومبادئه، واستقل بعد ذلك بإنشاء فرقة - الدروز - في الشام، فهو المؤسس إذن لمذهب الدروز، وقوامه مزيج من نظرياته وتعاليمه، ونظريات حمزة وتعاليمه، ومن الصعب أن نحدد ما لكل من الداعيين في إنشاء هذا المذهب الغريب من المباديء والنظريات، بل من الصعب أن نعين منهما الأصل والناقل؛ بيد أن بعض النظريات الأساسية التي يعرضها حمزة في رسائله ما زالت قواماً لمذهب الدروز مثل القول بحلول الروح القدس في شخص الحاكم، واعتباره (قائم الزمان)؛ ثم إن التاريخ الذي يتخذه حمزة لمبدأ هذه الدعوة هو سنة ٤٠٨هـ (١٠١٧م) وهي نفس السنة التي اتخذها الدروز بدأ لتاريخهم المقدس؛ وعلى ذلك فإذا كان الدرزي هو الذي أسس فرقة الدروز، فان لتعاليم حمزة أثراً كبيراً في صوغ هذا المذهب
ولا ريب أن حمزة بن علي كان نموذجاً قوياً لأولئك الدعاة؛ ففي تفكيره وآرائه وشروحه ما يشهد بكثير من الذكاء والبراعة؛ ولكن إنشاء دين جديد وعقيدة جديدة والدعوة إلى (ألوهية) بشر، محاولة تقصر عنها جهوداً أذكى الدعاة وأقواهم؛ ومن ثم فأنا نلمس في آرائه وتدليله كثيراً من ضروب التناقض والضعف، ونراه يلجأ إلى الرموز والخفاء كلما أعيته الحجة، ولا يحمل هذا المزيج الذي يقدمه إلينا من الشروح والأساطير اليهودية والنصرانية والإسلامية كثيراً من طابع الابتكار والطرافة، ثم هو فرق ذلك يقدم إلينا رسالته في أسلوب ركيك ينم عن ضعف بيانه العربي؛ ومع ذلك فان هذا التراث الذي انتهى إلينا من جهود