في شارعها الكبير وجددنا العهد بمرقد الفيلسوف ابن سينا، ثم أوبنا إلى فندق يقوم عليه جماعة من الأرمن، والأرمن في إيران قومة الفنادق، تلقاهم في كل مدينة وقرية، وما نزلنا فندقاً أو مطعماً على طريقنا من طهران إلى حدود العراق إلا عرفنا صاحبه أرمنياً
وأعجلنا السفر عن الإقامة في همذان يوماً، فبرحناها بعد ساعتين سائرين شطر الجنوب للمبيت في كرمانشاهان، ونحن الآن على طريقنا التي سلكناها من قبل إلى طهران فلا أعيد وصفها هنا. لما شرعنا نفرع الجبال جنوبي همذان أصاب مصدم السيارة خلل، فسقطت لوحة صغيرة كتب عليها جشن فردوسي (عيد الفردوسي) وقد علق مثلها على كل سيارة أعدت للسفر في حفلات الفردوسي، فوقفنا وبحث السائق فوجدها وفك المصدم فربطه خلف السيارة. وقد أدت هذه الحادثة الصغيرة إلى أن تأخرنا عن بلوغ بغداد يوم الأربعاء ففاتتنا قافلة الخميس كما يأتي. واجتزنا جبال أسد آباد وبلغنا كنكادر والساعة خمس وربع من المساء، وقد ذكرت هذه البلدة في طريقي إلى طهران. أزيد هنا أنا نزلنا فاسترحنا وشربنا الشاي وأكلنا البطيخ، وهو في إيران كثير لا يعدمه السائر حيثما سار، وخرجنا نمشي على الطريق ننتظر أن يعد السائق سيارته فإذا جماعة جالسون في عريش على جانب الجادة، فتقدم كبرهم فحيانا وقال إن في البلد آثاراً قديمة. أتريدون أن تروها؟. وعرفنا حينئذ انه حاكم البلد فسرنا لنرى الآثار وصحبنا الحاكم وجماعة من الموظفين فرأينا بلداً صغيراً فقيراً في وسطه أحجار ضخام وقطع من أعمدة كبيرة اختلطت بالدور، فقيل هذا أثر معبد قديم. واخترقنا بعض الدور وسرنا بضع دقائق فرأينا أحجاراً أخرى قيل لنا إنها من آثار المعبد نفسه. وكان معبداً للإلهة (أناهيتا) من آلهة الفرس القدماء بناه لها الاشكانيون، وكان أيام الفتح العربي مأوى اللصوص وقطاع الطريق فمن أجل هذا سموه قصر اللصوص
قال ياقوت في المعجم:(قال صاحب الفتوح لما فتحت نهاوند سار جيش من جيوش المسلمين إلى همذان فنزلوا كنكور فسرقت دواب من دواب المسلمين فسمي يومئذ قصر اللصوص وبقي اسمه إلى الآن. . .) وقال مسعر بن مهلهل: (قصر اللصوص بناؤه عجيب جداً. وذلك أنه دكة من حجر ارتفاعها عن وجه الأرض نحو عشرين ذراعاً فيه إيوانات وجواسق وخزائن تتحير في بنائه وحسن نقوشه الأبصار. وكان هذا القصر معقل إيرويز ومسكنه ومنتزهه لكثرة صيده وعذوبة مائة، وحسن مروجه وصحاريه)