تركنا كناكور والساعة ست. فما فارقنا ضوء النهار حتى نشر على الأرجاء بدر التمام أشعته، فسرنا في جبال وسهول حتى أشرف على الجادة جبل بيستون الشاهق وقد ذكرته من قبل وذكرت قصة فرهاد وشيرين التي لا يزال صداها طائراً في أرجائه
ولما لاحت ذروة الجبل في ضوء القمر قلت: بيستون! ثم أنشدت:
به بيستون كه رسيدم كرفت بارانم ... أكر غلط نكنم آب جشم فرهادست
(لما بلغتُ بيستون تساقط علي المطر، فان صدق ظني فتلك دموع فرهاد.) ثم قال السائق أتعرف قصة شيرين وفرهاد؟ فأحببت أن أسمعها منه، فقلت ما القصة؟ قال:(كان فرهاد راعياً لبرويز فرأى يوماً شيرين امرأة برويز فهام بها حباً وكان يظنها إحدى برويز فهام بها حباً وكان يظنها إحدى إماء الملك. ومرضت شيرين يوماً فقال الملك لفرهاد إن شئت أن أمنحك شيرين فانحت في الجبل قناة يسيل فيها اللبن من المرعى إلى القصر، فشق في الحجر قناة طولها فراسخ. فلما أبلت شيرين قال الملك لفرهاد بقي أن تبنى لها قصراً عظيماً. فنحت الأحجار وبني القصر. فلما خشي الملك أن يستنجره فرهاد وعده قال لمشيريه كيف الخلاص من فرهاد؟ فتطوعت امرأة عجوز بالحيلة وذهبت إلى فرهاد نائحة لاطمة. قال: ما خطبك؟ قالت: ماتت شيرين. فغشي عليه ومات لساعته، وخلصت شيرين لبرويز)
والقصة ذائعة في الأدب الفارسي، وقد نظمت مراراً وبلغ بها الشعراء آلاف الأبيات. فلما فرغ السائق من قصصه قلت: أنستطيع أن نرى أثر فرهاد في هذا الجبل؟ قال إنه عال، ولا يرى بالليل
بلغنا كرمانشاهان والساعة ثمان بعد أن قطعنا إليها من همذان ١٩٠ كيلاً. وأوينا إلى فندق اسمه (مهما نخانه بزرك) أي الفندق الكبير وهو فندق نظيف حسن النظام. واستأذن منا سائق السيارة أن يتأخر قليلاً غداً ريثما يصلح سيارته. ثم انصرف
وأصبحنا ننتظر السائق فطال بنا الانتظار فذهبنا نمشي في المدينة، ثم ذهبنا إلى دار البريد فأبرقنا إلى وزير المعارف لنشكر له ما لقينا من حفاوة قبل أن نجتاز حدود إيران. ورجعنا