للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

في المنع، كان اسمها أشد إغراء وأكثر جاذبية وأقوى على لفت النظر، وحمل عامة الناس أن يبحثوا عن السر الغامض الذي يأبى عليهم الإنجليز الاتصال به. ومصر - ألا سامح الله مصر - مع هذا كله لم يكن يهمها أن تعرف عن السودان شيئاً وهي تطالب بكل ما فيه. . .!

والآن. . . . لقد بلغ الإنجليز ما أرادوا. وضربت يد الغدر والمطامع على كل شيء، حتى لتوشك أن تضرب على النيل فيتزلزل فينفلق فلا يعود يعرف أين تكون مصر. ولقد طالما عبثت الأطماع بما بين مصر والسودان من ألفة وتعاطف، وأفسد الاستعمار هنا - في السودان - والحماية هناك ما بين هذين القطرين من روابط وصلات كلها بر وكلها رحمة. . . الآن لقد تم لهم ما أرادوا، ففرقوا وباعدوا، وأغربوا في التفرقة، وأفلحوا في مغالطة الحقائق الطبيعية، وتنكروا لخرائط الجغرافيين، وكابروا وخادعوا أن يكون شيء من هذا جديراً أن يحملهم على الاعتراف بخطئهم فيما حاولوا أن يطمسوا عليه من صلات كانت مصر هي في الحق أول من أغفل العمل في توثيقها والعناية بها، فماذا تفعل الآن. . . .؟

نحن نطل اليوم على عهد جديد تأخذ العلائق فيه صوراً جديدة فيها من صحة المعرفة وحسن التفاهم ما يملؤنا ثقة بالمستقبل وإيماناً به، وشعوراً بالوحدة والعمل لها في جميع ما تقضي به مصالح القطرين، وفي كل ما لا ينبغي إلا أن يكونا متحدين في بطيعة (الجوار) إذا لم يكن إلا هذا ما يملي بوجوب هذه الوحدة في اتجاه الحس والشعور، وفي تبادل المنافع والمصالح. وأما وقد كان هناك من مستلزمات الوحدة ما يجعل الجوار في آخر قائمة العلائق من لغة ودين وأدب وعروبة ونيلٍ زاخرٍ هادرٍ متدفق يصور الرباط المقدس بين بلدين أشد ما يكونان تلازماً وارتباطاً. أما وقد كان كل ذلك فقد توفرت بواعث توحيد الأمتين كما يتوحد النيل قطرةً إلى قطرةٍ وموجةً إلى أخرى وفياً إلى فيض. ولكن على أي أساس يقوم؟ إن شيئاً من سيرة مصر الأولى في السودان لن يعود إليها والحالة كما هي من تفكك في علائق الأدب وتباينٍ في وجهة التفكير - هذا كلام صريح لا مكان فيه للتأويل - وإنا لنرى قبل ل شيء أن تقوم الصلات على الأدب في بعض ما تقوم عليه، ولن يمر على ذلك عهد إلا ويجيء من بعده ما يكفل للقطرين الشقيقين أن يدفقا على مجرى واحد كما يفعل النيل. لا أن تظل نقرأ ونسمع بإلحاح مصر في سبيل السودان، فنعجب لها وهي

<<  <  ج:
ص:  >  >>