الممكن المتيسر، والقريب الداني. وان يراعوا صحتهم، فأن في طلب المحال سقماً وسهداً وإن التحديق في الشمس يضني القلب كما يضني البصر. . ولكن هيهات. . .
إن المحب عن العذال دائماً في صمم.
وأحسب القارئ قد أخذ الآنيفهم ما أعنيه بالعشق النجمي. وأظنه يتوهم أن العشق النجمي هو عشق الشيء البعيد المنال. . لكن هذا ليس الذي أرمي إليه. إن العشق النجمي هو عشق النجوم نفسها. . أجل النجوم التي في السماء على طريقة العباس بن الأحنف المذكور. ورويداً يظهر لك ما أظمره، شيئاً فشيئاً.
هنالك أمراض تصيب الناس من آن لآن. لكنها تصيبهم فرادى. أي تصيب هذا مرة، وذاك مرة أخرى. ثم يأتي بعد ذلك زمان تصبح فيه تلك الأمراض وباء يجتاح العالم كله إقليماً بعد اقليم، وشعب بعد شعب.
وهكذا (العشق النجمي) كان فيما مضى يصيب الناس فرادى، فأمسى الآن وباء شائعاً فاشياً، قد ملأ السهل والجبل وانتشر في المشرق والمغرب. وسبب ذلك أن قد ظهرت في العالم سماء جديدة تدعى (السينما) وقد امتلأت أرجاؤها بالنجوم.
والعشق الذي تتأجج ناره في قلوب المغرمين ببعض هذه النجوم لا يختلف، في كثير ولا قليل، عن ذلك الهوى المبرح الذي وصفه لنا العباس بن الأحنف. وقد يظن بعض البسطاء أن نجوم السينما أدنى إلينا وأقرب منالا، إذ نراها أمامنا ونشاهدها بأعيننا. وهذا لعمرك خطأ محض! فإنها قريبة على بعد، بعيدة على قرب.
والشرق نحو الغرب أقرب شقة ... من بعد تلك الخمسة الأمتار. . .
والآن قد أدركت أيها القارئ ما (العشق النجمي) وأنه هو تلك اللوعة التي تحرق قلوب الناس في مشارق الأرض ومغاربها ومن أجل بعض النجوم التي تدور في أفلاك تدعى (الأفلام) في سماء يسمونها (الشاشة) البيضاء.
فالعشق النجمي أذن منسوب إلى نجوم السينما، وبالله لا تقل كواكب السينما! لأن الكواكب في علم الهيئة قريبة المنال دانية المزار ومن علمائنا اليوم من يحلم بالوصول إلى بعض الكواكب كالمريخ، أما النجوم فبعيدة بعد الشيء المستحيل وكذلك العشق النجمي فأن مرامه بعيد، ومأربه محال.