وأكبر ما يمتاز به هذا العشق أنه عذري. . فأنك قد تولع بنجمة فتانة من نجوم هوليود، فيمتلئ بحبها قلبك، وتملك عليك مشاعرك، فلا ترى في الأرض الفسيحة غير وجهها، ولا تسمع غير صوتها. هي حلمك إذا هجعت، ونجواك إذا صحوت. إن أبصرتها في قصة حزينة استولى عليك الحزن والألم. وإن أصابها برد أو زكام أصابك مثلها سعال وزكام. وإن رأيتها ويا للهول!، صريعة قتيلة، قطع الحزن نياط قلبك، وأظلم العالم في وجهك، فلا تزال كئيباً أسيفاً، جاحظ العين متقلص الشفتين، حتى تراها في فلم آخر فرحة ضحكة؛ فيسري عنك؛ وتبرق أسارير محياك. وتضحك حتى تبدو نواجذك. .
ومن الغريب انك لا تأخذك الغيرة حين ترى عشاقها الكثيرين، ولا تستنكر منها أن تبدل في كل فيلم زوجاً مكان زوج أو صاحباً مكان آخر. لا يهمك من هذا كله شيء لأنك لا تفكر في سعادتها، فكل ما ترضاه ترضاه. ويحلو في عينك ما يحلو في عينها. بل لقد ألهاك التفكير فيها عن التفكير في شيء آخر. . .
ثم أنت بعد كل هذا لا ترجو نوالا ولا وصالا، تعلم أنها بعيدة عنك بعد النجم. وإن قرّبها منك الفلم. وقد رضت النفس على هذا البعد الممزوج بالقرب، وهذا النوال المنطوي على الحرمان. وهذا الوصل الذي هو أدنى إلى القلي والهجران.
فلا تريد على حبك جزاء ولا لدائك دواء. ذلك أن هواك عذري أفلاطوني بريء. فلا تريد لنارك المتأججة أن تطفأ، ولا لغليك المستعر أن يشفى. حب هو الغاية والوسيلة، نار تأبى إلا اضطراماً ودمع يأبى إلا انسجاماً، وتنور يريد أن يفور، وكان يحلو له أن يثور. من غير مأرب تنشده، أو أمل تريد تحقيقه، أو غاية تبغي الوصول إليها. . بل إن الحب هو الشغل الشاغل عن كل أمل أو مأرب أو مرام. .
تلك إذن هي الظاهرة الأولى للعشق النجمي: انه هوى عذري طاهر عفيف نظيف. أما الظاهرة الثانية لذلك العشق. فهي انه يصيبك من بعيد. . وقديماً وصف لنا الشريف الرضي هذه الظاهرة فقال يخاطب نجمته!:
سهم أصاب وراميه بذي سلم ... من بالعراق. . . لقد أبعدت مرماك!. . .
ذو سلم هذا مكان في جوار المدينة المنورة، يكثر الشعراء من ذكره حين ينسبون. ولو كان لديك أيها القارئ مصور جغرافي لأمكنك أن تقيس المسافة بين العراق وذي سلم، ولعلمت