الشريف الرضي لان سهم الحب قد أصابه من ذي سلم والشاعر في العراق. لكن تلك المسافة لا تعد شيئاً إذا قورنت إلى البعد الهائل الذي يفصل ما بين هوليود وبين وادي النيل السعيد. . وأن النجمة الفاتنة لترمي بسهمها من تلك الأقطار القاصية.، فلا يلبث أن يصيب صميم الفؤاد، ويفتت الأكباد، في شرق العالم وغربه. لا تحول دونه بحار ولا قفار. . .
وفي الحب العادي قد يكون البعد من أسباب السلو، والبعيد عن العين بعيد عن القلب في زعم الناس. لكن البعد بين المحب والمحبوبة شرط أساسي في هذا الصنف من الغرام. بل إني زعيم بأن عاشق النجمة لو رآها على قارعة الطريق، وهي تبتاع شيئاً من الحلوى، أو داخلة إلى دكان الحلاق. . لرأى شيئاً كسائر الأشياء وامرأة كسائر النساء، ولما حدثته نفسه بأن قد يصيبه من مثل هذه قنبلة غرام. . بل ولا سهم ضئيل. .
كلا إنما يلعب حب النجوم بالأرواح عن بعد. ومن مستلزماته تلك الحجرات المظلمة القاتمة، تبعث في النفس رهبة، وتثير فيه شغفاً ورغبة. وهذه الأنوار الساحرة تنبعث من مكان خفي، وتسطع على لوح فضي: ظلام يتوسط النور، ونور يحيط به الظلام. وحسبك تلك الحال السحرية باعثة على الشجن، ومثيرة لمكامن الجنون.
وهكذا تستطيع النجمة، وهي على سواحل المحيط الهادي أن ترسل أشعتها إلى أطراف العالم، وتنشر شباكها في جميع الأقطار.
هذا وللعشق النجمي خصائص أخرى، ولكننا ضربنا عن ذكرها صفحا، لأنها تعد في المرتبة الثانية من الأهمية، وحسبنا ما ذكرناه وصفا لأعراض ذلك المرض. . أستغفر الله بل تلك العاطفة القاهرة، التي استرقت قلوب الناس من شباب وكهول، وصفدتهم بسلاسلها وأغلالها. وقد أسلموها قيادهم طائعين خاضعين. .
لقد تحسب أيها القارئ أن فيما ذكرناه غلوا أو أن نصيب الخيال فيه أكثر من نصيب الحقيقة. . وفي الحق أننا ما كنا نعلم أن لهذا الشيء وجوداً أو أن شره قد استفحل. وخطره قد أشتد إلى هذا الحد، لولا أن صديقنا العزيز (رشاد) قد أصابه ذلكالسهم، فأحزننا مصابه. ولقد تتاح لنا قريباً فرصة أخرى فنحدث القارئ بحديث ذلك الصديق وإن كان حديثاً أليماً.