الحكم على القيصر بهدية فخمة وبعث إليه سفيره يحيى بن الغزال، وهو من كبار الدولة وفحول الشعراء فاحكم بينهما الصلة والتحالف. على أن علاقة الإمبراطور بصاحب الأندلس لم تتعد المراسلة والمجاملة، لأن خلفاء عبد الرحمن الداخل حافظوا على سياسته التي رسمها من الامتناع بالجزيرة والاقتصار على توطيد ملك بني أمية فيها، حتى عمد الناصر إلى تغيير هذه السياسة والتدخل في شئون المغرب لظروف وحوادث عرضت يومئذ
ونعود إلى علائق الدولتين العباسية والبيزنطية، تاج العلائق بين الإسلام والنصرانية في تلك العصور؛ ففي أواخر القرن الثامن كان على عرش قسطنطينية امرأة وافرة الذكاء والعزم هي الإمبراطورة إيريني زوج الإمبراطور ليون الرابع، وكانت وصية على ولدها قسطنطين أثناء طفولته؛ ولكنه لما كبر وحاول أن يقبض على زمام السلطة، ناوأته وقاومته حتى ظفرت به، وزجته إلى ظلام السجن بعد أن سملت عيناه بأمرها؛ فانتهز المسلمون فرصة هذه الاضطرابات وغزوا آسيا الصغرى مراراً حتى اقتربوا من البوسفور، وقاد هارون (الرشيد) وهو يومئذ ولي عهد أبيه المهدي بنفسه معظم هذه الحملات، فاضطرت إيريني إلى التماس الصلح، وبعثت رسلها إلى هارون، وهو يعسكر بجيشه على مقربة من البوسفور، تطلب الصلح والهدنة؛ فاجابها الرشيد إلى ما طلبت وعقدت بين الفريقين معاهدة تعهدت إيريني بمقتضاها أن تدفع إلى الخلافة جزية سنوية مقدارها سبعون ألف دينار، وتبادل الرشيد والإمبراطورة بهذه المناسبة بعض الهدايا والتحف الملوكية (٧٨٢م - ١٦٦هـ)، ولما تولى الرشيد الخلافة بعد أبيه، كانت إيرني قد خلعت وجلس على عرش قسطنطنطية نيكيفروس (ويسميه العرب نيقفور) كبير الخزائن؛ فما كاد يجلس على العرش حتى بادر بإعلان الخصومة على الخلافة وبطلان معاهدة الصلح، ورفض أداء الجزية والمطالبة بما أدى منها؛ وتنقل إليناالرواية الغربية صورة الإنذار الذي وجهه نيكيفروس على يد سفرائه إلى الرشيد وفيه يخاطب الرشيد بما يأتي: (من نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب، أما بعد فان الملكة التي كانت قبلي أقامتك مقام الرخ وأقامت نفسها مقام البيدق، فحملت إليك من أموالها ما كنت حقيقياً بحمل أضعافه اليها، لكن ذلك لضعف النساء وحمقهن، فإذا قرأت كتابي هذا فاردد ما حصل لك من أموالها وافتد نفسك بما تقع به