بعثت الدولة الأموية في الأندلس من جديد على يد عبد الرحمن الأموي (الداخل)، وأخذت في الاستقرار والتوطد؛ وكان قيام هذه الدولة الجديدة في إسبانيا يثير في الخلافة العباسية ومملكة الفرنج معاً جزءاً ومخاوف جيدة؛ أما الخلافة العباسية فلأنها كانت تعتقد أنها قد سحقت الدولة الأموية نهائياً واجتثت أصولها وفروعها فلن تقوم لها قائمة بعد في المشرق أو المغرب؛ فلما استولى عبد الرحمن الأموي على الأندلس وأقام به ملك أسرته من جديد، أخذت الدولة العباسية تخشى بحق أن تنازعها هذه الدولة الخصيمة زعامة الإسلام، أو أن تبلغ من القوة مبلغاً يحملها على التفكير في مقارعتها ومناوأتها والإغارة على أملاكها الأفريقية؛ وأما مملكة الفرنج فقد كانت تخشى اجتماع كلمة الأندلس بعد تفرقها مدى حين، وهو تفرق مهد للفرنج استعادة الأراضي الإسلامية في غاليس وافتتاح ثغر أربونة آخر معقل للإسلام في فرنسا؛ وقيام الدولة الإسلامية الجديدة في الأندلس موحدة الكلمة موطدة الدعائم يعرض مملكة الفرنج إلى خطر الغزوات الإسلامية كرة أخرى؛ فكانت مملكة الفرنج ترقب قيام هذه الدولة يجزع، وتلتمس الوسائل لسحقها قبل أن تستفحل وتغدو خطراً داهماً عليها؛ ومن ثم كانت سياسة الفرنج في تشجيع جميع الزعماء الخوارج على عبد الرحمن الأموي، والعمل على إضرام نار الحرب الأهلية في الأندلس؛ وكان اقتحام شارلمان للبرنيه بتحريض الزعماء الخوارج ليحاول افتتاح شمال الأندلس؛ ومن ثم كانت هذه العلائق والمراسلات الدبلوماسية التي تبادلتها الخلافة العباسية مع مملكة الفرنج، ولم تكن بلا ريب بعيدة عن الفكرة المشتركة في التعاون على سحق الدولة الأموية الجديدة في الأندلس
وكانت ثمة فكرة مماثلة تحمل الدولة الأموية في الأندلس والدولة البيزنطية خصيمة الدولة العباسية ومناوأتها في المشرق على عقد التفاهم والصلات الودية؛ فكانت بين أمراء بني أمية وقياصرة قسطنطينية مراسلات وسفارات سياسية هامة. ففي سنة ٨٣٦م (٢٢٥هـ) بعث الإمبراطور تيوفيلوس إلى عبد الرحمن بن الحكم أمير الأندلس سفراءه بهدية فخمة ورسالة يدعوه فيها إلى التحالف، ويرغبه في ملك أجداده بالمشرق؛ وكانت هذه المحاولة الدبلوماسية من جانب قيصر قسطنطينية على أثر اضطرام الخصومة والحرب بين الدولة العباسية والدولة البيزنطية وبميث المأمون ثم المعتصم في أراضيها. فرد عبد الرحمن ابن