فلما صار في الممر أخذ ينفخ من الجهد وينقض التراب عن ثيابه، ويلعن البرابرة وجبنهم. ولما أوسعهم لعناً، وشفى قلبه مما يجد عليهم تحول إلى نفسه، ولم يبخل عليها بحظ وافٍ من التعنيف والتقريع على ما كلفته سخافته من الزحف وراء الشجر الأشب من تلويث الثياب والتعرض للحشرات، وأحس - حين ذكر الحشرات - كأن بعضها - جيشاً كاملاً منها - يسير على ظهره تحت ثيابه
وفي هذه اللحظة، وقبل أن يتم ما بدأه من إبداء الرأي في نفسه ويصارحها به على أكمل وجه، سمع من الشرفة صوتاً يناديه باسمه، فكان من أثر المفاجأة أن رد:(نعم) بصوت عال، ولم يكد ينطق بهذه الكلمة المفردة حتى أدركته. الندامة وعاد سخطه فعظم على نفسه، فلو استطاع أن يجردها أمامه شخصاً لقتله بلا تحرج، ولم يسعه بعد أن وشى بنفسه إلا أن يمشي إلى حيث دعُي فأجاب، وكان الله في عونه حين يدعو الفضول إلى السؤال!
وفي هذه اللحظة كانت (روز) - كلبة البيت - قد شبعت من تفتيشه والإحاطة بمداخله وخارجه، واختبار الكراسي والبحث عما عسى أن يكون تحتها، وما لعلعه مخبأ وراء الستائر، وحدثتها نفسها بالخروج إلى الحديقة لعل فيها قطعة، أو عظمة تتسلى بها، فقد كانت (روز) طالبة لهو بريء، وسيان عندها أن يكون الملهو به حيواناً مثلها أو جماداً، ولكن الباب كان مغلقاً اتقاء لتيارات الهواء، ولو لم يكن في وسع (روز) أن تفتحه بغير معونةٍ من الإنسان، فوقفت أمامه - أو لصقه - وجعلت تحك أنفها فيه منتظرة أن يدخل داخل أو يخرج خارج
وسرعان ما استجاب الله دعاءها وحقق رجاءها، فقد دفع صاحبنا الباب ودخل وهو ينفخ، ولم يكن يدري أن (روز) وراءه وأن أنفها أصابته منه ضربة قوية، أدرات رأسها وآلمتها وأخرجتها عن طورها. وكانت (روز) كلبة رقيقة الإحساس لينة العريكة، وقد ألفت أن يداعبها الناس - رجالاً ونساء وأطفالاً - واعتادت إذا مسها أذى غير مقصود، أن يسرع المسيء إلى ملاطفتها والاعتذار إليها، ولذلك أدهشها أن ترى صاحبنا يضربها بالباب ويكاد يبطط لها أنفها الجميل، ويمضي كأنما لم يحدث شيء على الرغم من الصرخة العالية التي أطلقتها من الألم، وهاجها هذا السلوك فانطلقت تجري حتى صارت أمامه ونبحته نبحتين كأنما تقول له: