قال خالد بن عبد السلام الصدفي: جالست الليث بن سعد، وشهدت جنازته مع أبي، فما رأيت جنازة قط بعدها أعظم منها، ولا أكثر من أهلها، ورأيت الناس كلهم في جنازتهم عليهم الحزن، يعزى بعضهم بعضاً ويبكون، فقلت: يا أبت كأن كل واحد من هؤلاء صاحب الجنازة!
فقال: يا بني، كان عالماً كريماً، حسن العقل، كثير الأفضال، يا بني لا ترى مثله أبداً. . . .
قال بعض أصحابه: ولما دفناه سمعنا صوتاً وهو يقول:
ذهب الليث فلا ليث لكم ... ومضى العلم قريباً وقُبر
فالتفتنا فلم نر أحداً
وصلى عليه موسى بن عيسى الهاشمي، ودفن في القرافة الصغرى، رضى الله تعالى عنه وبوأه من الجنة غرفاً
هذا ما بقي من هذه السيرة الجليلة، متفرقاً في شتى الكتب، ومختلف الأجزاء، وقد ضاع سائرها، كما ضاع هذا التراث العلمي الضخم، فرحمة الله على أولئك الأجداد الذين بنوا وشادوا، وألفوا وجمعوا، وعلموا وعملوا، ورزقنا التأسي بأعمالهم، والسير على سننهم. . . وألهمنا إحياء تاريخنا، ونشر ماضينا