أخرى حتى يفضي إلى شارع واسع يستقيم من سفح الجبل إلى البحر
وسارت السفينة بالعشي فما زالت في بحر وهو حتى أقبلت على الإسكندرية المحبوبة قبيل الظهر يوم السبت ثالث نوفمبر. خفقت قلوبنا فرحاً بالأوبة إلى الوطن، وقذيت عيوننا بالمرائي الأجنبية المتزاحمة في الثغر، وزادها قذى منظر زورق الشرطة تعلوه راية كتب عليها من الجانبين كأن البلد لا يعرف اللغة العربية! وبينما تكفهر حولنا هذه المناظر المخزية وقع بصري على كلمة (زمزم) الكلمة العربية الوحيدة في مثلت الأسماء المحيطة بنا، وهذه زمزم إحدى بواخر بنك مصر! هذا كوكب يلوح في هذا الظلام الدامس! هذا برق من الرجاء يشق هذا الليل اليائس! هذه فاتحة المستقبل الوضاء! فاصبري أيتها النفس فان مع العسر يسرا
خاتمة
لم يتيسر لنا المقام في إيران حتى نعرف من أحوالها ودخائلها وسير العلم والأدب بها، وحتى نستقصي آثارها ومشاهدها، وإنما هو السفر العجلان الذي لا يقف ببلد إلا ليسير عنه. فهذه المقالات جهد النظرة العاجلة، ومبلغ الأيام القليلة التي قضيناها طائرين من مدينة إلى أخرى، ومقدار ما وعت الذاكرة دون الاستعانة بالمذكرات، وهو كما رأى القارئ كلام قريب الغور، قليل الجدوى، ولكنه لا يخلو من فائدة
وبعد، فقد سرا من القاهرة إلى طوس فما أحسسنا إنا اغتربنا، بل رأينا أنفسنا بين وجوه معروفة، سنن مألوفة، وتاريخ معلوم، وفي مشاهد حدثتنا عنها كتبنا، وعهدها تاريخنا ونشأ فيها علماؤنا، فالعالم الاسلامي، على اختلاف الأمم، أمة واحدة ألفتها مئات السنين على معنى واحد، وأسلوب واحد، وأورثها التاريخ حضارة واحدة، وآداباً متقاربة، وهذا ذخر لعمر الحق جدير أن يصان على رغم الزمان، وائتلاف ينبغي أن يجنب الاختلاف، وتقارب هو أسعد ما تحظى به الأمم في هذه العصور القلقة المضطربة. فقل للذين يريدون أن يقطعوا الأوصال بما يثيرون من الجدال، وقل للذين يحقرون ماضينا، ويزدرون تاريخنا، ويحاولون أن يهدموا كل قديم ليشيدوا كل حديث، وقل للذين يصدون عن المشرق ليولوا وجوههم شطر المغرب: ألا ساء ما تعملون! لقد أعماكم التقليد عن الحق، وذهب بكم الضلال أبعد مذهب. فان تماديتم في الغواية فستندمون حين لا ينفع الندم والسلام