فوقفت بنا السيارة على حارة هناك فترجلنا ومشينا بجانب بناء قديم مهجور فقيل: هذه المدرسة العمرية التي بناها أبو عمر بن قدامة. وفي هذا الحي مدارس كثيرة كانت مباءة العلم والعلماء في العصور الخالية. وتقدمنا قليلاً ثم ملنا ذات اليسار، فهبطنا مسجداً صغيراً مشرفاً على دمشق. ثم ولجنا باباً إلى اليمين فإذا مصلى واسع، فلما اتجهنا شطر القبلة رأينا في الجدار الذي إلى اليسار مقصورتين عليهما شبابي الحديد إحداهما مرقد الشيخ الصوفي العالم المتفنن عبد الغني النابلسي، والأخرى قبر أحد أبنائه فيما أذكر
وقد رأيت على باب المصلى الذي فيه الضريح هذين البيتين:
ومعنى ذلك أن والي سورية نظيف باشا عمر هذا المكان سنة ١٣٠٦ ثم ذهبنا إلى دار العالم الفاضل الأمير مصطفى الشهابي إجابة لدعوته، وهي في أعلى الصالحية تشرف على دمشق كلها.
فتعشينا وسمرنا مع جماعة من الفضلاء، ثم هبطنا بعد هدأة من الليل فمشينا إلى الفندق، وسار معنا الأخوان مودعين فختمت إقامتنا بدمشق على أحسن ذكرى
وأصبحنا نتأهب للمسير إلى بيروت فبلغناها ظهراً. وذهبنا إلى دار القنصلية المصرية فلقينا حضرة القنصل صادق بك أبو خضرة فأبى إلا أن يدعونا للغداء، ثم ودعناه بعد الغداء شاكرين فسرنا في أرجاء المدينة، فلما أرست الباخرة الرومانية (شارل الأول) وضعنا أمتعتنا بها ثم نزلنا فجلنا جولة في المدينة ورجعنا إليها والساعة إحدى عشرة، وفي منتصف الليل سارت الباخرة، فلما أصبحنا بها رأينا أسباط بني إسرائيل مزدحمين في أرجائها، وقد راجت سوق الملابس بينهم، هذا يعرض وهذا يساوم، وهذا يشتري وهذا يأبى. فقلنا لله در القوم!
وقفت الباخرة على حيفا صبحاً، وقد صارت حيفا ميناء كبيراً منذ العام الماضي، فنزلنا إلى المدينة صعدنا في جبل الكرمل وهو جبل عال مزدان بالدور والأشجار مشرف على البحر. ومررنا بقبر الباب صاحب الدعوة البابية، وقبر عبد البهاء عباس أفندي زعيم البهائيين السابق. وهما في بناء جميل تحيط به حديقة منضدة ينحدر الجبل عنها طبقة بعد