فيوقع إحدى أناته المشجية، فيهدأ ستيكس الصاخب، وتصفو صفحته بين دهشة شارون وشدة تعجبه!
وتطول الرحلة، ويعبران (أشيرون) نهر العدم؛ و (لِيث) نهر النسيان، و (كوكيتوس) نهر الآلام، و (فليجتون) نهر الحمم واللهب، ويصلان آخر الأمر إلى (هيدز) - دار الموتى - ومملكة بلوتو، بعد عقبات وأهوال تغلبت عليها جميعاً قيثارة أرفيوس، بألحانها الرقيقة، وأنغامها الباكية
وتبدأ من هذا الشاطئالأخير رحلة شاقة في ظلام دامس وحلك شديد، في مسالك ملتوية، وشعاب متداخلة، لا تجدي معها موسيقى أرفيوس فتيلا؛ وهنا يبدو له أن يقصر هذا السفر الطويل بالسؤال عن يوريديس، كيف حملها شيرون في زورقه، وكيف عبر بها في هذه الفجاج إلى المقر الأخير، وهل كانت تبكي؟ أم كانت راضية بالقضاء الذي فصلها من أحب القلوب وأقصاها عن أعز الناس؟ وهل حدثته عن الشاب أرفيوس؟ أم كانت في شغل عن كل شيء بما هي فيه؟ وهل كل روح من أرواح الموتى تستغرق كل هذا الزمن في عبور أنهار هيدز وفيافيها؟ وهل تألمت يوريديس حين كانت تعبرها؟. . .
وكان شارون يجيب عن هذه الأسئلة المتتابعة إجابة مستفيضة حتى وصلا إلى بوابة كبيرة الحجم، تصل إلى قصر بلوتو!
ولكن كلباً ضارباً بادي النواجذ بارز الأنياب كان رابضاً عندها؛ فلما لمح أرفيوس، وهو من غير الأموات، هاج وماج، وتوثب يريد البطش بهذا اللاجئ الممنوع!
وتنبه أرفيوس، فحرك أوتار القيثارة، وتغنى على أوتارها ألحانه وآلامه؛ فثاب الكلب وهدأ، وبعد أن أقعى قليلاً، تقدم إلى الضيف الحبيب يلحس قدميه، ويتمسح به. . . ويا للموسيقى!
ثم هذا عرش بلوتو؛ وإلى جانبه زوجته الربيع، برسيفون كسيرة القلب مهيضة الجناح، تعلو أساريرها عبوسة قاتمة، وتجثم على قلبها لوعة دائمة. يا لبرسيفون! ويا لهذا المنفى السحيق!
ولشد ما دهش بلوتو حين بصر بهذا المخلوق الذي استطاع أن ينفذ إلى هيدز، وفيه رمق من حياة؛ بقضه وقضيضه، وعجزه وبجره!!