وقبل أن ينبس بلوتو، جثا أرفيوس لدى قاعدة العرش، وطبع على الأرض قبلة كلها احترام ووقار، ثم تناول قيثارته، وطفق يتغنى بقصته المشجية، يرسلها خلال أنغامه الحزينة، وملء ألحانه اليتيمة. . . حتى أتمها
وكانت الموسيقى ممتزجة بالغناء الحلو والشعر السامي، قد تغلغلت في السويداء من قلبي الزوجين؛ وكانت الرنات، ممتزجة بالأنات؛ والهديل، ليس مثله هديل، قد أحدث أثره في نفسيهما، حتى أن دمعة مترقرقة شوهدت تنسكب على خد برسيفون!
وفي الحق، لقد هاجت قصة يوريديس شجون برسيفون، لما لحظت فيها من الوشائج بينها وبين قصة حياتها التعسة، في هذا الملك البغيض!
وانزعج بلوتو لمجرد وسواس لج في صدره، لما شاهد من تأثر زوجته، وانسكاب هذه العبرة الحزينة على خدها الشاحب؛ حتى لقد خيل إليه أن شياطين الحب قد قفزت من فم أرفيوس الخبيث، ومن موسيقاه الشاجنة، إلى قلبها الغض الصغير!
وقال بلوتو:(إنهض أيها الشاب، فوحق أورينوس لقد كدت تكون من الهالكين، لولا قصتك الباكية، وموسيقاك المبللة بالدموع. والآن، ماذا جاء بك هنا؟ وما الذي تطلب أن ينتهي إليك من إحسان بلوتو؟)
فركع أرفيوس ركعة التذلل والضراعة، ثم قال:(مولاي! يوريديس يا مولاي؟ تأمر فتعود أدراجها معي إلى الحياة الدنيا!)
فأجاب بلوتو:(طلبت المحال أيها العبد؛ ولكن بلوتو الكريم، لن يرد رجية بائس مثلك. لك ما سألت، وستعود يوريديس معك، ولكن على شريطة واحدة! ألا تراها حتى تخرج من هيدز. إنها ستتبعك، فلا تلتفت وراءك أو تغادر دار الموتى!)
وركع أرفيوس ركعة الشكر، ثم قال:(سأنفذ مشيئة مولاي.)
وأمر بلوتو فأحضرت روح يوريديس، وبدأت الرحلة إلى الدار الأولى، في ظلمات بعضها فوق بعض، والحبيبان يدلجان خبباً
وكان قلب أرفيوس يدق. . . . يدق
وإنهما ليكادان يبلغان العُدوة الأخيرة من نهر ستيكس، حتى يوجس أرفيوس خفية، ويظن - وباشر ما يظن - أن يوريديس قد ضلت سبيلها من ورائه، فينسي شرط بلوتو، ويلتفت