فجأة خلفه، ليرى أنها ما تنفك تتبعه. ولكن يا للهول!
لقد رأى يوريديس باسطة ذراعيها إليه، كم يتلمس طريقه في الظلام؛ وحين تراه يلتفت إليها، فيخل بالشرط الذي عاهد ربها على تنفيذه، تنثني من لدنه راجعة أدراجها إلى هيدز. . . .
متمتمة في صوت ضعيف خافت:(وداعاً يا أرفيوس)! يا حبيبي أرفيوس. . . وداعاً. . .) فيصرخ المسكين صرخة يكون معها في هذه الحياة الدنيا، حياة الشقاء والآلام!!
ويظل على شاطئستيكس سبعة أيام مفجعاً محزوناً. . .
يحاول عبثاً أن يعود إلى هيدز. . ولكن. . . هيهات!
ويدخل الدنيا محطم القلب، خفق الأحشاء، موهون القوى. . لا يطيب له عيش، ولا يسيغ لذة من لذائذها. ويتخذ مأواه في شعاف جبل تزمزم الرياح في جنباته، وتزمجر الوحوش في غيرانه، وتدوي البواشق في قننه، ويكون كل أولئك خير صحابه، ويا ما أعز الرفاق!
وتلقاه نسوة من اعتدن التخلف إليه في أيامه المواضي؛ فيحتلن عليه ليعزف لهن من ألحانه؛ ولكنه يعزف عنهم ويشيح؛ ثم يفر منهن، فيقتفين أثره؛ فيمعن في الفرار، فيتضايقن، ويصمينه بسهامهن؛ ثم يرجمنه بالحصى المسوّم؛ والحجارة الثقال؛ حتى يموت!
ويسمعنه إذ هو يجود بروحه يقول:(يوريديس. . . يوريديس!)
فتردد الأصداء نداءه الحزين:(يوريديس. . يوريديس!)
وما تزال الأشجار والأطيار تهتف إلى اليوم هتاف موسيقارها المغبون:(يوريديس. . . يوريديس!)