كتاباً إلى الملك الناصر فرج، على يد تاجر يوناني يدعى سورمش يؤكد ما كان بين والده (أي والد قيصر) وبين والد السلطان (الظاهر برقوق) من أواصر المودة والصداقة، وبعث معهم عدة من البزاة هدية للسلطان؛ ورجا السلطان في كتابه أن يعامل الأحبار النصارى بالرفق والرعاية.
ووردت على بلاط مصر سفارة أخرى في نفس هذا العام (سنة ٨١٤هـ) من (دوج) البندقية ميميكائيل، وقدم السفير (نقولا البندقي) إلى السلطان ناصر فرج كتاباً من الدوج يبلغه فيه تحياته وثناءه على ما كان يلقاه التجار البنادقة من الرعاية وكرم الوفادة، ولكنه يحتاج على حبس بعضهم في ثغر دمياط، ويحتج بالأخص على ما وقع بالإسكندرية من القبض على (قنصل) البنادقة وأكابر التجار البنادقة، وأخذهم إلى القاهرة مصفدين بالأغلال، وينوه بأن هذه الإهانة إنما هي إهانة له بالذات (أي للدوج) ويرجو السلطان أن يعدل عن هذه السياسة إلى الرفق بالقنصل والرعايا البنادقة، لتحصل الطمأنينة للتجار ويكثرون من التردد على مصر. وهذه الوقائع التي يشرحها الدوج في رسالته إنما هي حادث دبلوماسي محض؛ وقد صيغت في أسلوب رقيق ينم عما كان لمصر يومئذ من عظيم الهيبة في نفوس الدول النصرانية؛ وفيها يستعمل قلم الترجمة السلطاني كلمة (قنصل) ترجمة للكلمة الإفرنجية المماثلة، وهي كلمة ما نزال نطلقها اليوم في اصطلاحنا الحديث على ممثلي الدول الذين يختصون بأعمال هذا المنصب
تلك طائفة متناثرة من السفارات الخلافية والسلطانية، والموضوع مشعب الأطراف واسع المدى. بيد أن ما أوردناه من أحاديث هذه السفارات والرسالات المتبادلة يكفي لشرح كثير من خواص العلاقات الدبلوماسية في تلك العصور. وهناك بالأخص ناحية أخرى من علائق الشرق والغرب والإسلام والنصرانية لم يتسع المقام للتحدث عنها: تلك هي علائقإسبانيا المسلمة (الأندلس) بأسبانيا النصرانية وبالأمم الإفرنجية الأخرى؛ فهذا العلائق وحدها تملأ صحفاً فياضة من تاريخ الدبلوماسية الإسلامية؛ وقد كان عهد الخلافة الأموية بالأندلس عهداً زاهراً في تنظيم هذه العلائق ففي عصر الناصر دين الله، ثم ولده الحكم المستنصر، انهالت وفود الأمم النصرانية وسفاراتها على بلاط قرطبة؛ فكانت تستقبل في قرطبة في أيام مشهورة ومراسيم شائقة بهرت أمم العصر وقصوره؛ وكان تقاطرها على