للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تحفها وذخائرها؛ واستمرت الخصومة بعد ذلك عصراً بين مصر والدولة البيزنطية

وفي أيام الحروب الصليبية كثر تردد السفارات والمفاوضات بين مصر باعتبارها زعيمة الجبهة الإسلامية يومئذ، وبين قادة الحملات الصليبية، وكثر عقد العهود والهدن والمعاهدات. ولا يتسع المقام لاستعراض هذه المبادلات الدبلوماسية التي وصلت يومئذ إلى ذرى التشعب والاتساع، والتي تملأ فراغاً كبيراً في أخبار ذلك العصر؛ ولكنّا نمثل لها بحادثين: الأول سفارة لويس التاسع (القديس لويس) ملك فرنسا إلى سلطان مصر الملك الصالح حينما جاء إلى مصر على رأس حملته الصليبية (١٢٤٩م) وكتب إلى الملك الصالح باسم الأمم النصرانية يطالبه بتسليم مصر وينذره بالويل إذا أبى؛ وكان الملك الصالح يومئذ مريضاً في القاهرة، فتولى كاتبة بهاء الدين زهير الشاعر الأشهر كتابة الرد، وفيه يرد على الصلبيين وعيدهم وينذرهم بالانتقام؛ والثاني سفارة من ملك فرنسا أيضاً إلى سلطان مصر يطالبه بإعادة بيت المقدس إلى الفرنج، وان يفتح لهم ثغرا في الساحل وتكون البلاد وولايتها ة وإدارتها مناصفة بين المسلمين والنصارى على أن يؤدي الفرنج لمصر نظير ذلك جزية سنوية ضخمة. والظاهر أن مرسل هذه السفارة هو فيليب الجميل ملك فرنسا، وأن المرسل إليه هو السلطان الناصر محمد بن قلاوون، وأنها وردت إلى مصر في أواخر القرن السابع الهجري أو أوائل القرن الثامن. وقد نقلت إلينا الرواية الإسلامية تفاصيل الحادث دون أن تعين تاريخه، وذكرت أن السلطان غضب لجرأة الفرنج حين أبلغ السفراء رسالتهم، وذكرهم بنكبة دمياط، وأنذرهم بالويل والثبور وردهم أقبح رد

وقد كانت مصر منذ الحروب الصليبية محور الدبلوماسية الإسلامية ومجمعا للعلائق بين الشرق والغرب؛ وكانت علائقها مع الأمم النصرانية متشعبة النواحي والأطراف، فمن بلاط قسطنطينية إلى الدول الإيطالية - البندقية وبيزا وجنوه ونابولي - إلى مملكة فرنسا، وإلى إسبانيا النصرانية؛ وتاريخ مصر في القرنين الثامن والتاسع الهجريين (الرابع عشر والخامس عشر) حافل بأخبار هذه العلائق الدبلوماسية. وقد أورد لنا القلقشندي في (صبح الأعشى) عشرات بل مئات من الوثائق والمكاتبات الدبلوماسية التي تلقي أعظم ضياء على طبيعة هذا العلائق ومداها ونكتفي في هذا المقام أيضا بالتمثيل ببعض السفارات النصرانية إلى بلاط القاهرة؛ فقد أرسل قيصر قسطنطينية مانويل باليولوج سنة ٨١٤هـ (١٤١١م)

<<  <  ج:
ص:  >  >>