بديع يجمع بين حزم المخاطبة، ورقة المجاملة. وفي صيغتها ومحتوياتها ما يلقي ضياء كبيراً على طبيعة العلائق بين مصر الإسلامية والدولة البيزنطية في أوائل القرن الرابع الهجري (أوائل القرن العاشر الميلادي)
وكانت الدولة الفاطمية خصيمة الدولة العباسية تنازعها زعامة الإسلام في المشرق؛ وكانت السياسة البيزنطية تتجه يومئذ إلى الضرب بين الدول الإسلامية المختلفة والاستفادة من تنازعها وتنافسها؛ فلما تضاءل سلطان الدولة العباسية، وبرز سلطان السلاجقة في المشرق، اهتمت الدولة البيزنطية بمقاومة هذا الخطر الجديد ومصانعته، وعملت على أن تكون محوراً للتجاذب السياسي بين هذه القوى الإسلامية المختلفة. وقد وقع بين مصر وقسطنطينية في منتصف القرن الخامس، حادث سياسي شهير يوضح لنا طبيعة هذا التجاذب، هو سفارة المستنصر بالله الفاطمي لبلاط قسطنطينية وما كان من أدوارها ونتائجها. ففي سنة ٤٤٦هـ (١٠٥٣م) أيام الخليفة المستنصر بالله نكبت مصر بوباء ذريع استطال مدى أعوام؛ واقترن الوباء بغلاء وقحط شديدين، وأصيبت مصر بصنوف مروعة من الدمار والفوضى. وتعرف هذه النكبة في تاريخ مصر (بالشدة العظمى). فأرسل المستنصر بالله (سنة ٤٤٦هـ) إلى قسطنطين إمبراطور قسطنطينية يطلب منه العون، وأن يمده بالغلال والأقوات، ورأت السياسة البيزنطية في ذلك فرصة سائحة لتحسين مركزها وعلائقها مع مصر، التي كانت تهددها من البر والبحر، فلبى الإمبراطور الدعوى، وتم الاتفاق على بذل العون المطلوب؛ ولكن قسطنطين توفي قبل تنفيذه، وخلفته على العرش الإمبرطورة تيودورا، واشترطت لمعونة مصر شروطاً أباها المستنصر، واشتبك الفريقان في معارك شديدة في البر والبحر. وفي سنة ٤٤٧هـ، أرسل المستنصر سفيراً إلى تيودورا هو القاضي أبو عبد الله القضاعي ليحاول تسوية الخلاف، فذهب إلى قسطنطينية ليحاول عقد الصلح مع بلاطها، ولكنه لم ينجح في مهمته، لأن السياسة البيزنطية آثرت عندئذ جانب السلاجقة الذين كثرت غزواتهم لأراضي الدولة، ورأت أن تصانعهم وأن تسعى إلى مهادنتهم، وسمح لرسول طغرل بك عاهل السلاجقة أن يخطب في جامع قسطنطينية باسم الخليفة العباسي القائم بأمر الله ولما وقف المستنصر بالله على ذلك رأى أن ينتقم بالقبض على أحبار القمامة (كنيسة قبر المسيح) في بيت المقدس ومصادرة